بقلم: عبد الكريم محمد
على ما يبدو أن الوتيرة المتسارعة، لحجم الأمدادات والمساعدات العسكرية ذات المواصفات التقنية الهائلة، يؤكد لكل مهتم وباحث في الأزمة الروسية-الأوكرانية، أن تحديد الأسقف الزمنية لنهاية الحرب باتت مبهمة وغير محددة زمنياً.. خاصة وأن المساعدات كماً نوعاً، باتت تلهب المعركة على غير ما كان يتوقعها الروس.
بل أن امريكا وبريطانيا وبعض الحلفاء الغربيين، باتوا يجدون بنجاح المقاومة الأوكرانية في مناطق الشمال خطوة مهمة وكبيرة، في مواجهة طموحات بوتين.. الأمر الذي دفع الغرب إلى تكثيف مساعداته من الأسلحة الثقيلة بعد أن كانت لديهم تخوفات من سقوط سريع لكييف.. وهو ما دفعهم للامتناع في بادئ الأمر عن إرسال أسلحة مماثلة للحكومة الأوكرانية كونهم لم يكونوا متأكدين من قدرتها على البقاء في وجه الهجمة الروسية الشاملة.
ولا غرابة بالأمر، إذا ما اعتبرنا إن القيادتين الأمريكية والبريطانية، ليستا معنيتين بإنهاء الأزمة الأوكرانية بعد نجاح الحكومة الأوكرانية في صد الهجمة والحفاظ على العاصمة كييف.. حتى أننا لم نسمع ولو لمرة واحدة كلمة مفاوضات عن لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن أوسكرتير عام الناتو ينس ستولتنبرغ، أو وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن؛ وكذلك عن بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وعن قادة دول البلطيق وبولندا”.
لقد رحلتا كلمتي “وقف إطلاق النار” أو “المفاوضات” في الخطب العامة وغير العامة للأشخاص الذين تم ذكرهم أعلاه، ولا يمكن لدولة أمؤسسة إعلامية العثور على مثل هذه المصطلحات، حتى وإن كانت تستخدم ذرائعياً لذر الرماد في العيون.
بعض القادة الغربيين الذين يبحثون عن وضع حد للحرب، بدأوا يدركون أن السلام أصبح بعيداً لأن التحالف الجديد يريد السلام ولا وقف إطلاق النار مع الروس. هذا الأمر وهذه القناعة بالذات، دفعت رئيس أركان القوات الجوية الإيطالية السابق الجنرال ليوناردو تريكاريكو، في حديث تلفزيوني بالقول، أن جو بايدن لا يريد السلام، وإذا كان جو بايدن لا يريده، فإن الآخرين لا يريدون ذلك أيضا”.
ونوه الجنرال الإيطالي، بأن ينس ستولتنبرغ هو عبارة عن “عاكس طنين” لبايدن، أما بريطانيا فهي تتفوق حتى على المسؤولين الأمريكيين في مدى رفضها وعدوانيتها.
وأن الحقيقة الماثلة للعيان تقول أن الغرب في سباق مع تعطش الكرملين نحو تحقيق انتصار كبير في ساحة المعركة لقواته قبل 9 مايو، وهو عيد النصر (ذكرى انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية)، ما قد ينذر بمعركة حامية الوطيس في شرق أوكرانيا كانت قد استعدت لها موسكو عبر تعيين قائد جديد للحرب وكذلك الاستفادة من أخطائها بالشمال عبر إنشاء قاعدتين عسكريتين محتملتين لإعادة الإمداد والصيانة.
ولعل تغيير التكتيك الروسي الباحث عن نصر سريع، ووجه بتكثيف غير متوقع حتى للمخابرات الروسية بالمساعدات العسكرية الإضافية لأوكرانيا من قبل الولايات المتحدة، والتي تقدر قيمتها بـ 800 مليون دولار تشمل أسلحة تلبي احتياجات أوكرانيا المحددة بساحة المعركة.
وهذا تماماً ما أكده، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، بالقول، إن الحزمة الأخيرة من المساعدات، تتضمن 72 مدفع هاوتزر ومركبات تكتيكية لسحبها، بالإضافة إلى 144 ألف طلقة مدفعية تكفي لتجهيز 5 كتائب، وكذلك 120 طائرة بدون طيار تكتيكية من طراز “فينيكس غوست” (شبح العنقاء)، وهي طائرات مسيرة طورتها القوات الجوية الأمريكية “استجابة لمتطلبات أوكرانيا”.
ووفق صحيفة بوليتيكو الأميركية فإن “فينيكس غوست” نوع مختلف من الطائرات، فهي ذات اتجاه واحد وفعالة ضد الأهداف البرية المدرعة بشكل متوسط، ويمكن للمسيرة الإقلاع عموديا، والتحليق لما يزيد على ست ساعات بحثا عن هدف أو تتبعه، والعمل ليلًا باستخدام مستشعرات الأشعة تحت الحمراء.
فرنسا بدورها سارعت بتزويد كييف، بصواريخ مضادة للدبابات “ميلان”، وكذلك مدافع “قيصر” ذات القدرات الفائقة، وفي مقابلة مع “أويست فرانس”، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ذلك يأتي “نتيجة للخيارات التي اتخذتها روسيا في دونباس وفي ماريوبول، فمن الواضح جدا أن هناك إرادة للتصعيد من قبل روسيا، مسؤوليتنا حاليا القيام بكل شيء لمساعدة أوكرانيا”.
أوضح ماكرون، أن “الجميع يتحمل مسؤولياته، ونحن ننسق مع ألمانيا، وتحدثت منذ يومين مع المستشار الألماني أولاف شولتز حول هذا الموضوع”، مضيفا: “نحن نقدم معدات كبيرة لأوكرانيا، وأعتقد أنه يتعين علينا الاستمرار في هذا الطريق”.
بدوره، كشف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن عشرات الجنود الأوكرانيين يتدربون بالمملكة المتحدة، فضلا عن تدريبات أخرى في بولندا على كيفية استخدام الصواريخ المضادة للطائرات.
ووفق صحيفة “التايمز” فإن بريطانيا تخطط لإرسال دبابات إلى بولندا حتى تتمكن الأخيرة من تزويد أوكرانيا بدبابات من طراز T-72 المدمرة التي تعود للحقبة السوفيتية، وذلك في تصعيد كبير لدعمها العسكري.
أما ألمانيا فعقدت صفقة مع سلوفينيا تقوم الأخيرة بموجبها بإرسال عدد أكبر من الدبابات القتالية من طراز “تي-72” لأوكرانيا، على أن تحصل سلوفينيا في مقابل ذلك من ألمانيا على ناقلة جند مدرعة من طراز “ماردر” وكذلك على مدرعة من طراز “فوكس”.
المهم بالأمر، أن المعركة ما تزال في بداية الطريق، وأن العثرات الروسية والتصميم البريطاني-الأمريكي على خوض المعركة ضد الروس في أوكرانيا، يشي بتطور خطير قد تضطر روسيا من خلاله للرد على هذه التطورات بفتح معركة جديدة، قد تطال بولندا أو دولة أخرى مثيلة لها من دول البلطيق.. بينما الغرب بات يجد ضالته ببيلاروسيا، غنيمة سهلة المنال.