Culture Society

شاءت الأقدار يوماً.. وإرضاء الناس غاية لا تدرك

بقلم: عبد الكريم محمد

شاءت الأقدار يوماً لتجمعني برجل قد ملأ جزءاً من الفراغ ضجيجاً، تحدثنا بالسياسة والمجمتع والفلسفة والتاريخ.. وصلنا في حديثنا إلى الشخصنة المطلقة، الكلام كان يجري بصدق دونما توقف أو انتقاء للكلمات المنمقة؛ سألته لو سمح لك أن تعيد دورة الزمن وأنت الكهل، على أي حال ستعود ويعيدك الزمن مرة أخرى؟

توقف قليلاً وضحك، قبل أن يفوتني الحديث كنا، نمشي الهوينة في حديقة وارفة الظل في إحدى البلاد ليلتها.. المهم كل من حولنا سمع ضحكة العجوز المتصابي، حتى أن بعضهم ضحك لضحكته العالية، التي ملئت المكان فرحاً، كما عادته وقد ملأ الفراغ ضجيجاً من ذي قبل..

قال لي أخاف إذا قلت لك تأخذ أن مني موقفاً سلبياً.. أو تفاجئ بما سأقوله من أمنية لم أبح بها يوماً لأحد، إلا لزوجتي..

شهادة لله وأنا صادق بما أقول، قلت له والله أنا أعرف، ومتأكد، ماذا تحب أن تكون.. تحول الحديث جدياً.. بل وفوجئ بموقفي، الذي يحمل شيئاً من التحدي من دون قصد مني أبداً.. ولم أقصد التذاكي على الرجل..

قال وبإلحاح قلي.. حتى أن لهجته لم تخلو من الأمر والإصرار..

قلت له وإذا لم أقل، ستمتنع عن إكمال بوحك لي.. قال سأضطر مكرهاً أن أقفز عن هذا الحديث لنعود إلى بدايات الحديث.. ولن أقول لك بعد الآن عن أي شيء يتعلق في خفاياي ومكنوناتي الداخلية، ولا حتى عن بقايا أحلامي..

مباشرة قلت له مثلك من يستحق البوح، ومثلك من يقال له.. أنت يا أبا فلان، طوال حياتك كان حلمك أن تعزف آلة موسيقيه، وحتى هذه اللحظة ما تزال تتمنى لو كنت مغنياً..

صعق الرجل ماذا تقول؟!!

وهل التقيت زوجتي يوماً وقالت لك، عن أشيائي؟!

أجبته أنت تعرف أني جلست مرة مع زوجتك الفاضلة بحضورك، والحديث تناول الدول والحكومات والمجتمعات، وبعض من نتف هنا وهناك..

إذا ما الذي دعاك لتتوقع هذا التوقع؟!

قلت له أنا لم اتوقع أولاً؛ ثانياً أنا واثق مما أعتقده..

مباشرة وما الذي دفعك لهذه الثقة العمياء؟!

أجبته أنت أكثر من مرة رددت على مسامعي، كل البشر إنتهازيين، يزحفون نحوك ليس حباً بك، بل طمعاً بخبزك.. لدرجة يجعلون منك إلاهاً وأنت بقرارة نفسك تعيش ذات الآلام التي يعيشونها جميعهم.. بل قد تكون آلامك أكبر من آلامهم..

وكلهم يبادلك الحب ويقديم خدماته غير المحدودة، ويفكر بالجانب الرمادي الكامن فيه، لو يقوى على أخذ مكانك، بأي شكل من الأشكال، حتى لو وصل الأمر حدّ القتل..

وذات مرة كنت اتحدث مع صديقنا الموسيقي والمغني فلان، بهدوء والنقاش عامر بينك وبين بعض من الحاضرين.. فالتفت إلينا وتركت الحديث معهم، لتعدد النغمات الجميلة خاصة الرصد والنوى ونهواند..

ضحكته مزقت صمت الحديقة الوادعة..

مسك بيدي أكمل..

قلت يومها بنفسي أنك تحب أم كلثوم وصالح عبد الحي والشيخ زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب.. ورغم كل ما أنت فيه، تتمنى أن تكون ملحاً وموسيقاراً ومطرباً، وأن أمنياتك هي من جعل منك لطيف المعشر..

يومها قال لي أتعرف.. قلت ماذا؟

قال الناس تحب معشر الشعراء والمطربين والموسيقيين، طمعاً بإبداعهم، بعيداً عن الانتهازية والوصولية، بل وهؤلاء هو جمهورك الذي يتوق لسماعك حقاً.. أما جمهورنا يا بني هو أسفل خلق الله، وإرضاء الناس غاية لا تدرك.