لا يزال العالم عاجزا عن مكافحة الفساد، وذلك وفق آخر تقرير لمؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويصنف المؤشر 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتهم المُدرَكة لفساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (نظيف جدا).
ولا يزال المتوسط العالمي للمؤشر دون تغيير عند 43 للعام الـ11 على التوالي، وأكثر من ثلثي البلدان لديها مشكلة خطيرة مع الفساد، حيث سجلت أقل من 50.
الفساد والعنف وجهان لعملة واحدة
ووفقا لما ذكره بيان “منظمة الشفافية الدولية”، لا يزال العالم مكاناً أقل سلاماً، وفقاً لمؤشر السلام العالمي. وهو ما يؤكد وجود علاقة واضحة بين العنف والفساد.من جانبها، قالت رئيسة منظمة الشفافية الدولية، ديليا فيريرا روبيو: “لقد جعل الفساد عالمنا مكانا أكثر خطورة. نظراً لأن الحكومات فشلت بشكل جماعي في إحراز تقدم ضده، فإنها تغذي الارتفاع الحالي في العنف والصراع وتعرض الناس للخطر في كل مكان”.
وترى روبيو أن السبيل الوحيد للخروج هو قيام الدول بالعمل الجاد، واستئصال الفساد على جميع المستويات لضمان عمل الحكومات لجميع الناس، وليس فقط النخبة القليلة.
وبينما تواجه كل دولة تحديات فساد مختلفة، يكشف المؤشر أن البلدان في المنطقة التي حصلت على أعلى الدرجات، في أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي، قد تراجعت على مدار السنوات الخمس الماضية. ولا يزال التأثير غير المبرر على صنع القرار وسوء تطبيق ضمانات النزاهة والتهديدات لسيادة القانون يقوض فعالية الحكومات.
في المقابل، فإن البلدان ذات الدرجات المنخفضة غير قادرة أيضاً على إحراز تقدم كبير. في أجزاء كثيرة من الأمريكتين، وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء، تستمر القيود على الفضاء المدني والحريات الأساسية وتهدد الأزمات المتعددة الأمن والاستقرار والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي العديد من بلدان آسيا والمحيط الهادئ، يؤدي تزايد “الاستبداد” إلى إضعاف وظيفة المجتمع المدني كمراقب، بينما يمنح العديد من القادة الأولوية للانتعاش الاقتصادي على جهود مكافحة الفساد.
وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقوض الفساد العمليات الديمقراطية كما يسبب اضطرابات مدنية ويؤجج العنف.
موقف الدول العربية
حققت 3 دول عربية فقط نتائج إيجابية في مكافحة الفساد، إذ حققت كل من الإمارات وقطر والسعودية أعلى من 50 درجة على مؤشر الفساد.بينما جاءت الصومال متذيلة القائمة في المرتبة 180، ما يعكس مؤشرا على مستوى شديد للفساد.
ووفقا لمؤشر مدركات الفساد 2022 الذي شمل 21 دولة عربية استثنى فيها فلسلطين، يمكن تقسيم الدول العربية إلى 4 مجموعات: الدول الخليجية والأردن، والدول المغاربية الرئيسية، ودول تواجه تحديات اقتصادية وسياسية، وأخرى تعاني من صراعات داخلية.
الدول الخليجية ومفاجأة الأردن
يمكن تقسيمها إلى فئتين، الأولى تضم كلا من الإمارات وقطر والسعودية، وسجلت أعلى من المتوسط، ويمكن وضعها ضمن فئة الدول النظيفة في مؤشر مدركات الفساد.حيث جاءت الإمارات في المرتبة الأولى عربيا، والـ27 عالميا بعد حصولها على 67 درجة.
أما قطر فحلت الثانية عربيا، والـ40 عالميا، وحصلت على 58 درجة، لكن منظمة الشفافية الدولية، أشارت في تقريرها إلى أن قطر من بين 26 دولة سجلت أدنى مستوياتها التاريخية هذا العام.
السعودية هي الأخرى تجاوزت حاجز الـ50 درجة، وحصلت على 51 درجة، وجاءت في المرتبة الثالثة عربيا والـ54 عالميا.
وضمن الفئة الثانية، أحدث الأردن المفاجأة عندما حل رابعا عربيا، و61 دوليا بـ47 درجة غير بعيد عن المتوسط، ولكنه تجاوز المعدل الدولي البالغ 43 درجة.
البحرين (69 عالميا) وسلطنة عمان (69) تمكنا أيضا من تجاوز المعدل الدولي بعد أن حصلا على 44 نقطة.
بينما كانت الكويت (المرتبة 77 عالميا) الوحيدة بين الدول الخليجية التي لم تتجاوز المعدل الدولي، بفارق نقطة واحدة بعدما حصلت على 42 درجة.
الدول المغاربية الرئيسية
جاءت الدول المغاربية المركزية الثلاث؛ تونس والمغرب والجزائر، بعد المجموعة الخليجية في مؤشر الفساد.
حيث تصدرت تونس هذه المجموعة في المرتبة الثامنة عربيا والـ85 عالميا بـ40 درجة.بينما جاءت المملكة المغربية في المرتبة التاسعة عربيا والـ 94 عالميا بـ 38 درجة.
الجزائر من جانبها حصلت على 33 درجة، وحلت العاشرة عربيا والـ 116 عالميا.
دول تواجه أزمات اقتصادية وسياسية
ويمكن تقسيم هذه المجموعة إلى فئتين، الأولى تتمتع باستقرار سياسي نسبي، لكنها تواجه تحديات اقتصادية، وتضم ثلاث دول جيبوتي ومصر وموريتانيا.ورغم أن الدول الثلاث تختلف من نواح كثيرة موقعا ومساحة وسكانا واقتصادا، إلا أن جميعها تقع في القارة الأفريقية وحصلت على نفس الدرجة (30) ونفس الترتيب عربيا (11) وعالميا (130).
غير أن مصر سجلت أدنى درجات لها منذ أصبح مؤشر مدركات الفساد قابلا للمقارنة في 2012، وفق تقارير أمريكية.الفئة الثانية وتضم دولا يعيش معظمها أزمات سياسية واقتصادية معقدة، وتضم كلا من لبنان والعراق والسودان بالإضافة إلى جزر القمر.
إذ حل لبنان في المرتبة 14 عربيا و150 عالميا وحصل على 24 درجة، أما العراق فحصل 23 درجة وحل في المرتبة 15 عربيا والـ157 عالميا، بينما حل السودان في المرتبة 16 عربيا والـ162 عالميا.
أما دولة جزر القمر التي تعتبر إحدى أفقر الدول العربية، وهي أرخبيل بالمحيط الهادي شرق القارة الأفريقية، فحصلت على 19 درجة وحلت في المرتبة الـ17 عربيا والـ167 عالميا.
دول تعاني من صراعات
القاسم المشترك في هذه المجموعة التي تضم كلا من ليبيا واليمن وسوريا والصومال، أن جميعها تعيش نزاعات مسلحة ولو على مستويات مختلفة من العنف.إذ حلت ليبيا في المرتبة 18 عربيا (171 عالميا) بـ17 درجة، تلتها اليمن في المرتبة الـ19 عربيا (176 عالميا) ضمن فئة الدول التي تعيش فسادا شديدا، بـ16 درجة، ثم سوريا في المرتبة العشرين وما قبل الأخيرة عربيا (178 عالميا)، وأخيرا الصومال في المرتبة الـ21 عربيا والـ180 عالميا والأخيرة.
البلاد الأكثر غنى أقل فسادا
ويبرز تصنيف مؤشر الفساد ارتباطا عكسيا، فكلما كان البلد أكثر غنى كان أقل فسادا، والعكس صحيح.لكن ذلك لا يعتبر عاملا حاسما، فبعض الدول الأقل غنى جاءت في تصنيف أفضل في مؤشر الفساد من دول تفوقها ثراء على غرار الأردن مثلا.
كما يحذر المؤشر من أن استعداد عدة دول لزيادة إنفاقها العسكري جراء الأزمة في أوكرانيا يفتح “مخاطر كبيرة للفساد”.
يشار إلى أن مؤشر مدركات الفساد، يستعين ببيانات 13 مصدرا خارجيا، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والشركات الخاصة للاستشارات وحساب المخاطر، والمجمعات الفكرية وغيرها، وتمثل درجات المؤشر آراء الخبراء ورجال الأعمال.