Literature

الفقراء وليمة دسمة على طاولة الأغنياء

بقلم: عبد الكريم محمد

ذات يوم كنت أسير وصديقي في أحد العواصم العربية، فوجئنا بأعداد لا يستهان بها من البشر، ملقية على جنبات الحدائق والطرقات الفرعية، جيوش من المشردين.. هؤلاء كانوا يفترشون بعض من بقايا علب الكرتون وبعض الثياب الرثة، وبقايا أكياس خيش الأسواق فراشاً لهم، عله يقيهم من تقلبات الطقس التي تمارس على الدوام، غدرها لهؤلاء البشر دونما ذنب قد اقترفوه..

صاحبي لطيف المعشر دمث الخلق، شفاف كما مياه الشفة، بهدوء سألني ومن دون مقدمات، بعد أن وجدنا في الطريق عائلة قادمة من المدن البعيدة، تنتظر إدخال طفلها المريض لمشفى الأطفال.. ما هي المشكلة لو أن الدول طبعت مليارات الليرات لهؤلاء البشر؟!! بل ما هي المشكلة أن تبني الدولة مشافي في كل المدن، وتفرض على أبناء هذه المدن من أطباء ومتخصصين  في الإقامة عدة سنوات؟!!

صديقي تحول إلى بركان من الأسئلة، تحول إلى كتلة من ألم وحنين واحتجاج وحقد، حتى خلت أنه سيخرج عن طوره، رغم أنه خرج عن ما يمتلك من هدوء وروية.. كما تعودت أن أراه، وهو الذي كان يسدي لي النصائح، بأن اتخلص من جموحي تجاه الأشياء غير السارة وغير الحميدة..

حقيقة صديقي يقذف بالأسئلة على عواهنها، وأنا أنتظر لحظة إفراغ جعبته من ما أثار حفيظتة بلا حدود.. ما أن صمت والحزن يعتصر قلبه، والغضب بادياً على جبينه.. سألته خلصت من فيض أسئلتك؟

بانزعاج وردة فعل، “والله الواحد بدو يكفر بكل شيء”، خلصت تفضل حضرتك..

قلت له بالحرف، أن الفقراء هؤلاء ونحن وكل من حولنا، نزيد من مكانة الأغنياء، والعدل يا صديقي، يقلل أو يحجم بعضاً من نزوعهم ونرجسيتهم، بل أننا نعتبر وليمة دسمة على طاولة طعامهم.. تماماً كما النظم، التي تستخدمنا جميعاً كعبيد حتى يدوم لهم ملكهم العضدود والجبري في آن معاً، دونما منافس أو معترض على ما يجري من قهر ومظالم.

كل الأسئلة يا صديقي، تعرفها النظم القائمة والإجابة عليها سهلة وبسيطة، بل أصغر الدول وأكثرها فقراً تقوى على تقديم الإجابات بطرح الحلول، والقضية كلها تحتاج لجرة قلم وحسب..