
تقرير وكالة “رويترز” الخميس، الذي يفيد بأن الولايات المتحدة لم تعد تشترط موافقتها تطوير مشروع نووي في السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، لم يعيد يصيب بالصدمة. في نيسان الماضي، قال وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، بأن الولايات المتحدة والسعودية على “المسار الصحيح” للتوصل إلى اتفاق بشأن الطاقة النووية المدنية.
من يعتبر الخطوة الأمريكية صفعة لسياسة إسرائيل، وتحطيم ادعائها القائل بأن المشكلة الفلسطينية ليست عائقاً أمام السلام مع الدول العربية، عليه أن يتذكر بأن “الإذن” الإسرائيلي لمشروع نووي سعودي، مع أو بدون التطبيع، أعطي قبل سنتين.
وقال مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي في حينه، بأن “الطاقة النووية المدنية بحد ذاتها ليست خطيرة، الخطر هو إذا لم تراقب الطاقة النووية المدنية بشكل قد تصبح فيه عسكرية”.
صيغة الأحلام التي طرحها بايدن في فترة ولايته، التي ربطت التطبيع مع إسرائيل كشرط رئيسي لموافقة الولايات المتحدة على تطوير مشروع نووي مدني في السعودية، كانت في حينه سارية، لكن الوزير رون ديرمر أوضح في مقابلة مع شبكة “بي.بي.اس” الأمريكية بأنه “إذا لم تحصل السعودية على طلبها في المجال النووي من الإدارة المدنية فربما تحصل عليه من دولة أخرى، مثل الصين أو روسيا، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم في السعودية”.
أقوال الشخصية الإسرائيلية الرفيعة فسرتها واشنطن كموافقة لإسرائيل على تطوير برنامج نووي سعودي، حتى لو لم يكن مقروناً بالتطبيع مع إسرائيل، الذي ثمنه السعودي “تطبيق خطوات لا رجعة عنها لإقامة الدولة الفلسطينية”، إسرائيل ليست مستعدة لدفعه.
في نيسان الماضي، قال وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، بأن الولايات المتحدة والسعودية على “المسار الصحيح” للتوصل إلى اتفاق بشأن الطاقة النووية المدنية
هذا الربط بين التطبيع والنووي السعودي كان من البداية مليئا بالشكوك الثقيلة، حيث كان واضحاً أن الولايات المتحدة تتطلع إلى الدفع قدماً بالمشروع النووي السعودي برعاية وشروط أمريكية حتى لو لم توافق إسرائيل على طلبات السعودية.
لم ينتقل البرنامج النووي إلى طاولة المفاوضات في فترة بايدن، بل إن حلف الدفاع بين الولايات المتحدة والسعودية، قطعة الحلوى الأخرى التي عرضتها واشنطن على الرياض مقابل التطبيع، وصل الآن إلى شفا التوقيع عليه، رغم أنه كان واضحاً أنه لن يكون هناك تطبيع.
في أيار 2024 نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية بأن السعودية وأمريكا صاغتا رزمة اتفاقات مع تعاون أمني وتكنولوجي، سيشكل جزءاً من برنامج واسع يشمل التطبيع مع إسرائيل.
ولكن “في ظل غياب وقف إطلاق النار في غزة وإزاء معارضة نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ونية إسرائيل شن الهجوم على رفح، تدفع السعودية إلى خطة أكثر تواضعاً، أما إسرائيل فلن تكون مشاركة فيها”.
في الشهر نفسه، في اجتماع المنتدى الاقتصادي الدولي في الرياض، نشر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن “السعودية والولايات المتحدة عملتا معاً في كل ما يتعلق بالاتفاقات، وإمكانية استكمالها قريبة جداً، وأعتقد أن ما يعتبر خيالياً يتحول إلى واقعي”.
لم يذكر بلينكن في حينه شروط التطبيع، وكان يفهم من أقواله بأنها ما تزال غير قائمة. يبدو أيضاً أن موافقة أمريكا على المشروع النووي السعودي تبلورت قبل تطبيقه، وأعلنت السعودية بأنها ستؤجل الموعد النهائي لتقديم مناقصات بناء المفاعل لإنتاج الكهرباء في موقع الدويحين إلى إشعار آخر.
في هذه المناقصة، كان يتوقع أن تشارك شركة الصين النووية الحكومية وشركة كهرباء كوريا الجنوبية وشركة روساتوم الروسية وشركة إي.دي.اف الفرنسية.
بايدن خبز وترامب أخرج من الفرن
الخوف من توجه السعودية إلى شركات غير أمريكية لتطوير المشروع النووي، يرافق الولايات المتحدة منذ سنين.
بعد أن نشرت وسائل الإعلام الأمريكية قبل عقد بأن الصين بنت في السعودية منشآت لتخصيب اليورانيوم وتحويل خام اليورانيوم إلى “كعكات صفراء”، التي تستخدم لإنتاج الوقود النووي، سجلت في كانون الأول 2022 مرحلة في تقدم التعاون بين الصين والسعودية عندما زار الرئيس الصيني الرياض وجدد مذكرة التفاهم بين الدولتين في 2016 حول التعاون التكنولوجي الذي يشمل التعاون على بناء المفاعلات النووية.
بعد ثلاثة أشهر، سجلت الصين إنجازاً مدهشاً عندما استأنفت إيران والسعودية بوساطتها العلاقات الدبلوماسية بينهما. بالنسبة لواشنطن، كان هذا إنذاراً أجبرها على إعادة فحص شروط التطبيع مع إسرائيل التي فرضتها على المشروع النووي السعودي – الشرط الذي جعل الولايات المتحدة رهينة لرفض إسرائيل وهدد بنقل مجال النووي السعودي من سيطرة الولايات المتحدة إلى أيدي الصين وروسيا ودول أخرى.
من غير المعروف حتى الآن ما هي التفاصيل الدقيقة للاتفاقات التي سيوقع عليها ترامب وولي عهد السعودية محمد بن سلمان في هذا الأسبوع.
هل ستكون اتفاقات مشتريات بحجم متوقع بمبلغ 100 مليار دولار، وتعهد السعودية باستثمار يبلغ تريليون دولار في الولايات المتحدة، أم تشمل أيضاً إطاراً لحلف دفاع.
الواضح أن ترامب يوشك إزاء المجال النووي السعودي على استكمال البرنامج الذي تم خبزه في ولاية سلفه. ولكن في المقابل، لم يعد يطرح التطبيع كشرط.
إذا وافق ترامب على المصادقة على المشروع النووي السعودي، فعلى إسرائيل ابتلاع لعابها وهز الرأس، وربما حتى تسويقه كبرنامج مناسب لا يهدد أمنها.
وبشكل عام، لا يعتبر التطبيع ضمانة بعدم توجه السعودية مستقبلاً إلى تطوير قدرة عسكرية نووية. ثمة شك بأن أحداً في “القدس” سيذكر في حينه بأن إسرائيل عارضت أي مشروع نووي في أي دولة عربية، بما في ذلك الأردن ومصر، التي هي مقارنة مع السعودية، وقعت على اتفاقات سلام معها.
ليس معنى ذلك أن تم حسم مصير حلم التطبيع. فتطبيقه سيرتبط بحل متفق عليه للقضية الفلسطينية – وقبل ذلك الحرب في غزة.
حتى ذلك الحين، أعفى ترامب المشروع النووي السعودي من قيود إسرائيل، التي توضح في سياستها تجاه القضية الفلسطينية بأنها تعتبر حل الدولتين تهديداً أكبر بكثير من الإمكانية الكامنة في تسلح السعودية بالنووي.
يجب التذكر بأن السعودية حذرت بأنه إذا حصلت إيران على السلاح النووي، فستحصل عليه هي أيضاً. هذه الرؤية الإسرائيلية، التي لا ترى أي خطر في البرنامج النووي السعودي المدني، تسحب السجاد من تحت طلبها الحاسم، وهو منع إيران من الحصول على مشروع مشابه، وتمنح الولايات المتحدة الدعم للدفع قدماً باتفاق نووي مع إيران، الذي سيؤسس على استعداد أمريكا للسماح لها بتطوير مشروع نووي حسب “النموذج السعودي”.
ثمة عدم يقين بخصوص هامش موافقة أمريكا. فهل تسمح الولايات المتحدة للسعودية بتخصيب اليورانيوم في أراضيها؟ هل ستطلب منها التوقيع على البروتوكول الإضافي لميثاق منع انتشار السلاح النووي، الذي سيضع السعودية تحت رقابة متشددة لوكالة الطاقة الدولية النووية التي تعارضه حتى الآن؟
هذه فقط من بين تسعة معايير يمليها البند 123 في قانون الطاقة النووية من العام 1954، التي يجب تطبيقها حتى تستطيع هذه الدول الحصول على تعاون أمريكا في المجال النووي. وأوضحت واشنطن بأن موافقتها على المساعدة في تطوير المشروع النووي السعودي مشروطة بتنفيذ جميع بنود القانون.
ومؤخراً، قالت جهات أمريكية رفيعة بأنه سيكون بالإمكان إيجاد طريقة للتوفيق بين طلبات القانون والتوق إلى مساعدة السعودية، وبالأساس ضمان إبعاد الصين وروسيا عن الساحة، والاهتمام بسلامة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة.
هآرتس 11/5/2025