بقلم: عبد الكريم محمد
كثيرة هي التصريحات التي تتناقلها وسائل الإعلام على مدار الساعة، فيما يخص الانسحاب الأمريكي، الذي يتزامن مع القرارات السيادية الأمريكة، والتي بدورها تأتي استجابة لرؤية تخص الولايات المتحدة دون غيرها.. أي أنها توطئة لحسابات بناء المستقبل الأمريكي أولاً؛ والعالمي ثانياً، وبما يصب في خدمة الاستراتيجيات المستقبلية القادمة المرجوة.
لهذا نقول، أن الانسحاب الأمريكي بات أمراً واقعاً من سورية لا محالة، وأن جل القضية تتعلق في محاولات إعادة ترتيب الأولويات الأمنية، بسورية وغيرها من البلدان العربية لتأمين منظومة القيادة والسيطرة، حسب الترتيبات المرسومة بدقة، على مساحة الكرة الأرضية.
وأن الحقيقة التي لا بد من قولها، أن الولايات المتحدة تدرك جيداً، بأن انتشارها في الشرق الأوسط وغيره من الأقاليم، التي تحمل بذور غياب استقراروفنائها، تكاليفها باتت أكثر من مردودها.
بل أن وجودها على اليابسة بهذا الشكل القديم، التي فرضته نتائج الحرب العالمية الثانية، وانتقال المركز القيادي من أوروبا إلى أمريكا، أصبح يؤثر تأثيراً سلبياً على هيبتها كقائد أوحد للعالم، ويدخلها في صراعات جانبية يمكنها تفاديها بأقل التكاليف، لتعظم بعد ذلك من الحقيقة القائلة أو “القناعة القائلة”، أن الولايات المتحدة حاجة العالم فيما يخص أمنه واستقراره، وليست قوة طارئة أو غاشمة، تمثل شكلاً استعمارياً قبيحاً بنظر الشعوب والأمم.
المهم بالأمر، أن القيادة العميقة للولايات المتحدة بجمهورييهم وديموقراطييهم، قد اتخذوا قرارهم في الاعتماد على قوة التكنولوجيا واختزال عامل الزمن من جانب، وضرورة تحميل الوكلاء العالميين المسؤوليات الجسام، الملقاة على عاتقهم من جانب آخر..
أكثر من ذلك، أن أمريكا وبعد تجربتها الماضية، وصلت لقناعة بضرورة، دع الأطراف في البلدان التي تقبع شرق الأطلسي تدخل صراعاتها الداخلية الدامية، إلى أبعد مدياتها، لتكون وحدها بعد ذلك الحاكم والحكم، شريطة أن يأتي الجميع مدمى ليجلس على الطاولة، بلا شروط مسبقة، سوى سلامة الرأس وحسب.
وقد لا أبالغ بالقول، أن هذه السياسة ستغيّب روسيا وإيران والسعودية وتركيا، عن مسرح الحدث الدولي والإقليمي، إيذاناً بظهور دول ومجتمعات أكثر عقلانية، يمكنها أن تؤدي متطلبات الوظائف المطلوبة، تستكمل من خلالها أمريكا مشاريعها حتى نهاية القرن ال 21 بهدوء وسلاسة ودون معوقات أو مفاجآت قد تقض مضاجع الأمريكيين.
وأن الأقليات الطائفية والمذهبية والجهوية والعرقية، لم تعد تشكل هاجساً للولايات المتحدة، فالهاجس بالنسبة لها، أن تبقى أمريكا والعالم بخدمة أمريكا المستقبل.. ولو كان الأمر خلاف ذلك، لاجترحت الحلول للعديد من الصراعات الدامية في آسيا وأفريقيا، ولما كان الخروج من أفغانستان على هذا النحو، الذي رسمه الجمهوريون كخطط ملزمة على الورق ونفذه الديموقراطيون دون تلكئ، أو مضيعة للوقت..