International

واشنطن بوست: نظام الأسد مزّق المجتمع السوري بالمخبرين وذاكرة الخوف تطارد الضحايا

سلّطت صحيفة واشنطن بوست الأميركية الضوء على سعي النظام المخلوع إلى زرع الانقسام داخل المجتمع السوري وتمزيق النسيج الاجتماعي عبر شبكة المخبرين التي أحاطت بالبلاد لعقود، إذ حوّل سوريا إلى دولة يراقب فيها الجار جاره، ويبلغ الزميل عن زميله، كما أن المعلمين كانوا يرفعون تقارير أمنية ضد الأطفال استناداً إلى ما يقال في منازلهم، في بيئة يسودها الشك والخوف.

وتقول الصحيفة إن النظام القمعي انهار فجأة في كانون الأول الماضي، مع تقدّم قوات “ردع العدوان” باتجاه دمشق، تاركاً خلفه مجتمعاً غارقاً في الخيانة والصمت.

وفي أحد أزقة حيّ التضامن، بدأ الغضب يطفو على السطح. ففي آذار، وفي حين كان حمدي البرابري يعتني بالحمام على سطح منزله، مرت رصاصات قرب وجهه، فسقط على ظهره في أثناء محاولته الهرب، وكان يعلم أن الجيران الذين كانوا يكرهون والده ويتهمونه بالتجسس لصالح النظام المخلوع هم من أطلقوها.

أقرّ أبو أيمن، والد حمدي، في مقابلة مع الصحيفة، بأنه قاد عناصر أمن إلى منازل أشخاص قال إنهم هدّدوه، وقد قُتلوا لاحقاً في فرع فلسطين. وزعم أنه “لم يكن لديه خيار آخر”، غير أن جيرانه، وبينهم عائلة المغربي المعارضة، اعتبروا أنه كان مسؤولاً مباشراً عن ملاحقتهم. وقال أحمد المغربي: “المخبر كان أبو أيمن. لقد دمّر عائلتنا”.

تحوّلت حياة أبو أيمن في عهد النظام إلى ثراء، إذ امتلك عدة عقارات، وانضم لاحقاً إلى ميليشيا “الدفاع الوطني” لحماية مصالحه. وفرضت الميليشيا سلطتها بالسلاح، حتى إن أفرادها أقاموا حاجزاً أمام منزله وفتحوا النار على المارة. وبحسب الصحيفة، فإن أحمد المغربي اعتُقل بعد أن أهانت شقيقته صورة الأسد، في حين اعتُقل موسى بعد شجار مع جار من عناصر الميليشيا.

وخلال سنوات الثورة السورية، تفاقم القمع في فرع فلسطين سيئ السمعة، حيث تعرّض أحمد وموسى لتعذيب شديد، بحسب ما أفاد به الأخير، مضيفاً أن آثار التعذيب كانت شديدة لدرجة أن عائلتهما لم تتعرف عليهما خلال الزيارة إلا بعد مناداتهما بالأسماء.

وفي السابع من كانون الأول، ومع اقتراب قوات “ردع العدوان” من دمشق، غادر أبو أيمن إلى لبنان، بعد أن أيقظه ابنه ليلاً. وفي اليوم التالي، شهد موسى وأحمد مشاهد تمزيق صور الأسد في الشوارع. وحينها شعرا بأن الخوف بدأ ينهار، وسمح موسى لأولاده باللعب خارج المنزل لأول مرة منذ سنوات.

وفي اليوم الثالث، اقتحم ملثمون منزل حمدي واحتجزوه مع إخوته، متهمين والدهم بالمشاركة في القتل. ووصفوا أبا أيمن بـ”الشبيح”، قبل أن يغادروا.

مطالبات شعبية بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات
استمر التوتر في حيّ التضامن بين العائلات السنيّة التي انقسمت بفعل المواقف السياسية خلال فترة النظام المخلوع، إذ تصاعدت الدعوات لمحاسبة المتورطين في الوشاية، في حين لم تقدّم الحكومة الجديدة رؤية واضحة للمصالحة الوطنية، على الرغم من دعواتها المتكرّرة.

وتحوّل حيّ التضامن، الذي كان يُروَّج له كنموذج للانسجام، إلى مثال على الخراب الاجتماعي، بعد أن اختفى الآلاف من سكانه خلال الحرب، وانتشرت المقابر الجماعية بين منازله.

وبعد فتح السجون، كشفت الصحافة عن وثائق أمنية تتضمّن أسماء المخبرين وتفاصيل بلاغاتهم، ما بثّ الرعب في نفوس الموالين السابقين.

وفي أول خطاب له، أعلن الرئيس الجديد أحمد الشرع أن العدالة ستتحقق بملاحقة من تلطّخت أيديهم بدماء السوريين، وفق تعبيره. وأطلقت الحكومة مراكز للمصالحة، شملت تسليم السلاح مقابل بطاقات مدنية، غير أن العملية كانت طوعية، وفرّ كثير من عناصر النظام المخلوع إلى مناطق أخرى.

وفوجئ سكان حيّ التضامن بعودة فادي صقر، قائد ميليشيا “الدفاع الوطني”، ما أثار موجة غضب. وقال موسى: “وجوده هنا يعني أن كل ما فعلناه ذهب سدى”.

في المقابل، تحدّث سكان آخرون عن محاولات اعتذار ومساومات من مخبرين سابقين، شملت تقديم هدايا وسيارات ثمينة مقابل الصفح.

واعتزل حمدي الحياة العامة، وأصبح ينجز المهام بصمت للمقاتلين السابقين الذين يطرقون بابه، ويلقّبونه بـ”الكلب الصغير”.

واختتمت الصحيفة بقول حمدي: “لا أدافع عن والدي. أحاول فقط أن أكون صادقاً. لم يكن لدينا خيار سوى الوقوف مع النظام”.

Leave a Reply