يلفت المحاضر في جامعة ستانفورد الأميركية إلى أن صحراء مدينة سرت تضم كميات كبيرة من مادة البوتاس الذي يعد مكوناً رئيساً في صناعة الأسمدة الزراعية إضافة أيضاً إلى وجود مادة الكبريت.
عرفت ليبيا باقتصاد قائم على النفط من دون تنويع، منذ ظهور الخام الأسود في أوائل الستينيات من القرن الماضي، غير أن صحراء هذا البلد مترامية الأطراف تحوي عديداً من الثروات المعدنية غير المستغلة، مثل الحديد والجبس والفوسفات والبوتاس، إلى جانب كميات أقل من الذهب واليورانيوم.
سينتابك الذهول إذا ما عرفت أن قيمة ما تحويه ليبيا من خامات الحديد فقط يساوي 1.5 تريليون دولار اليوم من دون حساب بقية العناصر المعدنية الأخرى، لكن مع غياب استراتيجية وطنية لاستغلال تلك الثروات المعدنية في بلد لم يعرف استقراراً سياسياً، وعانى اضطرابات أمنية واسعة منذ 2011، تظل هذه الموارد الطبيعية في موضع الإهدار.
3.5 مليار طن من الحديد
في حواره لـ”اندبندنت عربية”، يتحدث المتخصص الاقتصادي الليبي والمحاضر في جامعة ستانفورد الأميركية، عبدالمنعم اليسير، عن بلاده التي تتمتع بأعلى ترسبات خام الحديد في العالم، ويقدر حجم تلك الخامات بـ3.5 مليار طن قابلة للاستخراج، وهي كمية قادرة على تصنيع ما لا يقل عن ملياري طن من الحديد الصلب، بقيمة سوقية تقارب 1.5 تريليون دولار عند حساب متوسط سعر الطن بـ700 دولار.
ويشير اليسير الذي درس هندسة المعادن والمواد بجامعة بريتش كولومبيا فانكوفر الكندية وكانت تخصصه في الماجستير والدكتوراه، إلى أن هذه الكميات الهائلة من خامات الحديد التي تثري الصحراء الليبية، خصوصاً منطقة وادي الشاطئ الواقعة في جنوب غربي البلاد على الحدود مع الجزائر، تكفل جعل ليبيا المصدر الأول في المنطقة إذا ما استغلت على النحو الأمثل.
8.4 مليون طن من الجبس
ويلفت اليسير إلى وجود كميات لا بأس بها من الجبس تقدر بـ8.4 مليون طن من هذه المادة الحيوية التي تستخدم في صناعة مواد البناء، وأن البلاد تحوي كميات كبيرة للغاية من الصخور الطينية الصالحة للاستعمال في صناعة الأسمنت، ومعدن الكولين بكميات تقدر بمليار طن تكفي لتصنيع السيراميك بكميات هائلة للغاية، علاوة على إمكانية استخراج مواد سيراميكية بتقنية عالية وذات فائدة كبيرة.
في صحراء سرت، يقول اليسير إن هذه المنطقة تضم كميات كبيرة من مادة البوتاس الذي يعد مكوناً رئيساً من مكونات صناعة الأسمدة الزراعية، إضافة أيضاً إلى وجود مادة الكبريت التي تخدم ذات الصناعة الحيوية المهمة، علاوة على وجود اليورانيوم والذهب بكميات أقل، إذ إن المسح الجيولوجي لم يثبت وجود ما يشجع كفاية على استخراج العنصرين الآخرين، إلى جانب عنصر ثالث هو المغنسيوم.
وتحدث المتخصص الليبي عن مقترح قدمه بمشروع قانون لإنشاء شركة قابضة لتشغيل الشباب باسم “المشروع الوطني للاستثمار في الشباب”، منذ أن كان عضواً بالمؤتمر الوطني العام منتهي الولاية (البرلمان الليبي سابقاً)، ويولي مشروع القانون اهتماماً باستغلال ثروات البلاد المعدنية، برأسمال 7 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، على أن تستقطب هذه الشركة استثمارات بما لا يقل عن 7 مليارات دينار أخرى، مع منح المستثمرين مزايا تشجيعية لضخ الاستثمارات، بهدف تعظيم الأصول والموارد غير المستغلة.
تحرير الاقتصاد الليبي
لكن ثمة ما تحتاج إليه ليبيا اليوم كي تحسن استغلال هذا الملف الحيوي على نحو أمثل، كما يضيف المتحدث، “للاستثمار في هذه الموارد الطبيعية المهمة يتعين على الدولة أن تعمل على تحرير الاقتصاد بطريقة مشجعة للمستثمرين المحليين والأجانب، وما ينقص هنا بالنسبة إلى الاستثمار في خامات الحديد كمثال، بنية تحتية قوية، ومن بينها السكك الحديد لنقل هذه الخامات التي تتوفر في مناطق نائية وبعيدة، إضافة إلى حاجة البلاد إلى التشريعات المهمة والقوانين الاستثمارية المشجعة”.
ويشير إلى أن بلاده بها عديد من القوانين والتشريعات ذات الصلة التي تنظم عمل المستثمرين بصورة عامة، وفي مجال التعدين خصوصاً، لكن لا بأس من الاطلاع على تجارب الدول الأخرى والاستفادة من تلك الثروات التعدينية المهمة، التي بإمكانها أن تجعل من ليبيا مصدراً أول لمنتجات الحديد والأسمنت، بالنظر إلى ما تملكه البلاد من مزايا محفزة للاستثمار في قطاع التعدين.
صياغة استراتيجية تعدينية واضحة
ومع استعادة الأمن والاستقرار السياسي اللازمين لبعث رسائل الطمأنة لأي مستثمر أجنبي أولاً وتهيئة بيئة الأعمال في البلاد كي تنطلق على نحو جيد، سيتعين أيضاً تحديد الأولويات بالنسبة إلى صانع القرار في البلاد، في ما إذا كان يرغب بتصدير هذه المعادن على حالتها الأولية كخامات أو منتجات تامة الصنع، بحسب ما يقول اليسير.
ومن بين الأمثلة التي يوردها المتخصص الاقتصادي الليبي، في حديثه حول طبيعة المزايا التي من الممكن تقديمها للمستثمرين في قطاع التعدين، يشير إلى أهمية توفير الأراضي بنظام حق الانتفاع مدة 10 سنوات، وكذلك خفض الضرائب، وتوفير الوقود والكهرباء الرخيصين، خصوصاً مع امتياز ليبيا بتوافر الطاقة الرخيصة اللازمة للصناعة، على أن يلتزم المستثمر الأجنبي تشغيل 60 في المئة من العمالة الليبية، والتزامه الإدراج في أي من الأسواق المالية العالمية خلال 10 سنوات من التأسيس، وهو ما بإمكانه خلق شراكات مع كيانات عالمية عملاقة تخدم الاقتصاد الليبي، وتحسن استغلال قطاع الثروة التعدينية في البلاد.