بقلم: إياد مصطفى
أخطر شيء قد يواجه المرء منا، الفاجعة بفقدانه الأمل بمن كان يعقد عليهم جل الأمل بلا ريبة أو شكوك للحظة، مارقة أو عابرة حتى.. فقد فتحت مادة الدكتور أحمد الحمادي المتعلة بانتحار الخوري الأورثوذكسي جورج الحوش.. استرجاع الذاكرة باستحضار الشاعر المصري أحمد عبيده، الذي عُرف بثوريته، وعارض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
خاصة بعد النكسة، أصابه الحزن الشديد وعلَّق آماله على حرب أكتوبر واعتبرها إعادة لكرامة المواطن المصري، ولكونه المترجم الخاص للرئيس الراحل أنور السادات، فقد صُدم بمفاوضاته مع إسرائيل وأمريكا، واعتبرها بداية لهزيمة جديدة.
جاهر برأيه وشارك في الاحتجاج ضده، فأصبح مطارداً أمنياً واعُتقل عام 1974، وتعرض للتعذيب الشديد.
لم يتوان عبيدة في تدوين أحزانه أشعاراً على الورق والجدران، لكن السجانين نزعوا أوراقه ووعدوه بإعادتها له بعد خروجه من المعتقل، وأخلفوا وعدهم.
وظل يبحث عنها شهوراً بين أقسام الشرطة دون جدوى. فقاد عدداً من المظاهرات التي تندد بالتطبيع، فأودعته السلطات مشفى الأمراض العقلية وأخضعوه لجلسات كهربائية مكثفة.
بعد خروجه، واجه تهديدات السلفيين واتهاماتهم له بالشيوعية والكفر، قبل أن يُعتقل من جديد ليتعرض لمختلف أنواع التعذيب البدني والنفسي، وبمجرد خروجه من المعتقل، حفر حفرة بوسط داره الريفي، وأضرم بها النيران ليحرق كتاباته وأشعاره، ويلقي بنفسه بينها، لينهي حياته وهو في ذروة شبابه، كصرخة احتجاج مدوية.
ولعل أشهر ما كتب الشاعر الراحل، الذي اضطر ذويه قهراً لإحراق مؤلفاته، خوفاً من بطش السلطات:
“يستطيعون أن يكمِّموا فمِي بالحَجر
وأن يرشقوا الأسياخ الحديدية في أضلاعي
وفي شباك الزنزانة
لكنهم لن يستطيعوا أن يوقفوا زقزقة العصافير على الأشجار
“يستطيعون أن يكمِّموا فمِي بالحَجر
وأن يرشقوا الأسياخ الحديدية في أضلاعي
وفي شباك الزنزانة
لكنهم لن يستطيعوا أن يوقفوا زقزقة العصافير على الأشجار”
ولا تدفق المياه في النهر
ولا صياح الدِّيكة في الفجر
حتى تبشر بميلاد صباح جديد”.
ويمكننا القول إن الكاتبة المصرية المنتحرة أروى صالح، إحدى ضحايا القهر السياسي، فقد كانت واحدة من أشهر المناضلات السياسيات وقيادات الحراك الطلابي الذين تعرضوا للاضطهاد والسجن والتعذيب خلال الستينيات، وهي صديقة للشاعر أحمد عبيدة.
وانعكس القهر على كتابيها “المبتسرون” و”سرطان الروح”، فقد كانا صرخة احتجاج في وجه المجتمع والسلطة السياسية، قبل أن تنهي حياتها وتقفز من شرفة منزلها في الطابق العاشر عام 1997، بعد مرور 20 عاماً على انتحار صديقها الشاعر.