Arabic

لاتبثوا الناس وهماً.. أخر ما يمكننا تصوره خلافاً روسياً – إيرانياً في سورية

اعداد: إياد مصطفى

كثير من المغردين وبعض المتفائلين أو المتشائلين بل والمتشائمين، يميلون لتعميم الأخبار المغلوطة، التي لا تستند إلى أساس من الصحة والوجود على أرض الواقع.. فقد حاول البعض إيهمام السوريين ومعهم العرب، بأن ما يجري من تداعيات في درعا البلد بخاصة ومحافظة الجنوب السوري بعامة، يقع في حيز التنافس الإيراني-الروسي، على تركة أو جثة الرجل المريض السوري، المتمثل ببقايا نظام الأسد المتداعي.

ما يجري بدرعا وحوران، ليس وليد الصدفة العابرة، ولم  يأت تعبيراً عن متغيرات طارئة كما يظن البعض، بقدر ما جاء كنيتجة لسلسلة مخزية من التسويات والمصالحات، قادها الدكتور مازن الحميدي، اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة، من قمقمه في شارع الحمراء بدمشق.. 

فالطبيب مازن الحميدي حسب ما تفيد المعلومات، بأنه يمتلك علاقات قوية مع كلّ من روسيا وإيران، وأنه خلافاً لما يقال عن وجود تنافس وصراع بين روسيا وإيران في درعا وحولها، فقد تمكّن الطبيب الذي تعددت مهامه بين مستشار في المكتب الخاص للرئيس السوري ومشرف على السياسة الأمنية في مكتب الأمن الوطني، الذي يقوده اللواء المتقاعد علي مملوك، من اللعب بمهارة على حبال علاقاته الثنائية ليدفع درعا نحو منعطف التسويات، بعدما حاولت التملص منه على مدار السنوات الماضية بذرائع وأساليب مختلفة.
 
ولم يكن معروفاً عن الدكتور مازن الحميدي سوى أنه طبيب متخصص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، ويزاول مهنته في عيادته الكائنة في شارع الحمرا في العاصمة السورية دمشق.. لكنه بالمقابل كان يتولى منصب الرئيس الفخري لنادي الشعلة الرياضي، بالإضافة إلى تأسيسه عام 2012 جمعية “تموز” لمساعدة أسر الشهداء.
 
غير ذلك لم يكن اسم الحميدي متداولاً باعتباره أحد الفاعلين في أي ملف أمني أو سياسي، إلى أن كشفت “مؤسسة نبأ الإعلامية” في تقرير نشرته الأسبوع الماضي معلومات كثيرة حول الأدوار التي يقوم بها، لا سيما في ملف درعا.
 
وقد يكون التصريح السياسي الوحيد الذي أدلى به الحميدي، ومن شأنه أن يدل الى طبيعة توجهاته، هو ما ورد في الكلمة التي ألقاها قبيل افتتاح عرض “النصر ساعة صبر” عام 2017، وهو عبارة عن عمل مسرحي يمجّد بطولات الجيش السوري أقامته جمعية “تموز” في دار الأوبرا في دمشق عام 2017، في الذكرى الرابعة والأربعين لحرب تشرين. وقال الحميدي في كلمته “أشكر المعارضة لأنها أثبتت أنها أتفه معارضة عرفتها الأرض، لأن أي معارضة تهاجم رموزها هي ساقطة”.
 
وذكر تقرير “مؤسسة نبأ” أن مازن الحميدي ورث منصب المستشار الخاص في مكتب الرئيس السوري عن والده محمد الحميدي، الذي أصبح مقرباً من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عقب إصابة طائرته الحربية في حرب تشرين التي خاضها الجيشان السوري والمصري ضد إسرائيل، ونجاته بأعجوبة من الحادثة. بعد ذلك نال الحميدي الأب من الأسد الأب ترقية عسكرية، وشيئاً فشيئاً أصبح من الدائرة المقربة من القصر الجمهوري، ليعينه الأسد الابن مستشاراً في مكتبه الخاص. ولفت التقرير إلى أن الحميدي أصبح كاتباً لخطابات الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرة إلى أنه كان وراء الخطاب الذي أدلى بها الأسد أمام مجلس الوزراء الجديد في 14 من شهر آب (أغسطس) الماضي، والذي عرض من خلاله الأسد “اللامركزية الإدارية” كحل للمعضلة السورية، وفق التقرير.
 
الخطّ الروسي في علاقات الحميدي
سلط التقرير الضوء على الدور الذي قام به الطبيب مازن الحميدي بما يخص ملف درعا، وذكر أنه بناءً على علاقاته بالضباط الروس، وبخاصة بالجنرال ألكسندر زورين مبعوث وزارة الدفاع الروسية إلى مجموعة العمل الدولية، أطلق الحميدي منذ عام 2015 مبادرة “سلام الجنوب” التي عمد من خلالها إلى إنشاء ما بات يعرف لاحقاً بلجان المصالحات في مدن درعا والقنيطرة وبلداتهما، وكانت المهمة الموكلة إلى تلك اللجان فتح قنوات تواصل مباشرة مع قادة فصائل المعارضة السوري، بهدف تجميد جبهات القتال وعقد اتفاقات مصالحة سرية بين بعض الفصائل والنظام السوري برعاية روسية.

مصادر مطلعة كشفت لـ”نبأ” أن أول إنجازات “مبادرة سلام الجنوب” كان عام 2016 حين عقد أول اتفاق تهدئة سري بين فصيل “مجاهدي حوران” في مدينة أنخل شمال غربي درعا ممثلاً بـ”أبو منهل السمير”، الأخ الأكبر لقائد الفصيل عثمان السمير الذي قُتل لاحقاً في عملية انتحارية نفذها أحد أفراد “داعش” في منزل أحد تجار الأسلحة في مدينة أنخل، من جهة، وقوات النظام بإشراف مازن الحميدي من جهة أخرى، حيث نص الاتفاق على تسليم فصيل المعارضة رشاشاً ثقيلاً من عيار 23 ملم، بالإضافة الى مدفع من نوع “جهنم” محلي الصنع، على أن تتوقف قوات النظام عن استهداف المدينة وإخراج عدد من المعتقلين، وفتح معبر لإدخال المواد الغذائية والمحروقات إلى مدينة أنخل.
 
لم يتوقف نشاط الحميدي ضمن تلك المبادرة عند هذا الحد، فقد عقد اتفاقات سرية مشابهة في بلدات الحارة وابطع وداعل وغيرها، معتمداً في ذلك على أذرع مبادرته من لجان المصالحات هناك.
 
وكان للحميدي دور كبير في الاتفاق الذي عقد منتصف عام 2018 بين فصائل المعارضة وقوات النظام برعاية روسية، وذلك عن طريق كنانة حويجة التي تعد إحدى أذرعه في ملف التسويات والمصالحات، والذي أفضى الى سيطرة قوات النظام على جنوب سوريا آنذاك، بحسب ما ذكر التقرير السابق.
 
وبعد سقوط الجنوب السوري بيد النظام السوري، بدأ الحميدي العمل على إنشاء كيان سياسي في درعا سراً، وقد حصلت “نبأ” على تفاصيل اجتماع عقده الحميدي في نهاية عام 2018 مع عدد من المعارضين الذين بقوا في درعا وأجروا تسويات مع النظام السوري، ومن بينهم محمد المذيب وزير الإدارة المحلية السابق في الحكومة السورية الموقتة، وإسماعيل الحاج علي وأحمد الدنيفات المعروف بأبو بكر الحسن، أحد قادة المعارضة في مدينة جاسم، والذي اغتيل لاحقاً عام 2020 على يد مجهولين وعدد من أعضاء ما كان يعرف بهيئة الإشراف والمتابعة في الجنوب السوري، والتي كانت تعتبر ذراع التنسيق الميدانية للجبهة الجنوبية آنذاك، بالإضافة الى ضباط منشقين عن قوات النظام ممن أجروا تسويات، وقد عرض الحميدي خلال الاجتماع الذي عقد في العاصمة دمشق بحضور اللواء علي مملوك تشكيل كيان سياسي في درعا، ضمن إطار المعارضة الداخلية، وكانت خطة “الدكتور” تقتضي إنشاء حواضن شعبية ضمن المجتمعات المحلية في درعا للكيان السياسي قبل الإعلان عنه، وهو ما حدث لاحقاً، حيث بدأ العمل على مشروع “خيمة وطن” في عدد من المدن والبلدات لإيجاد قاعدة شعبية للكيان المزمع تأسيسه، إلا أن المشروع فشل لاحقاً لأسباب غير معروفة.
 
وقد كشفت مصادر لـ”نبأ” أن الحميدي عاد للعمل على المشروع ذاته خلال الأشهر القليلة الماضية، بدعم من روسيا وبمساعدة عدد من المعارضين السوريين في الداخل.
 
الخط الإيراني في تحرّكات الحميدي في الجنوب
ذكر تقرير “نبأ” أن الحميدي أسس جمعية “تموز” عام 2016، والصحيح أن الجمعية مؤسسة ومرخصة منذ عام 2012 بموجب القرار الرقم 935 الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. لكن اللافت للاهتمام هو تأكيد التقرير أن جمعية “تموز” شبيهة بما يعرف بمؤسسة “الشهيد”، الذراع المالية لـ”حزب الله” اللبناني، إذ يستخدم الحميدي جمعية “تموز” وسيلة للحصول على أموال وتبرعات من مؤسسة “الشهيد” اللبنانية، والتي بدورها تتلقى دعماً وتمويلاً مباشراً من طهران، وقد أدرجت ضمن اللائحة السوداء للولايات المتحدة بسبب نشاطاتها المشبوهة في تلقي تبرعات من تجار المخدرات والسلاح في أميركا الجنوبية.
 
كما اعتمد الحميدي أيضاً للحصول على تبرعات لجمعيته على عدد من تجار دمشق، وأبرزهم سامر فوز الذي تربطه بالحميدي علاقة قوية وصلت إلى شراكة في تأسيس شركة MENA لإنتاج السكر برأسمال يقدر بنحو 47 مليون دولار.
 
وفي دراسة أجراها موقع SY24، عن أبرز المنظمات والجمعيات التي تتلقى دعمها من إيران و”حزب الله” اللبناني في الجنوب السوري، ورد اسم جمعية “تموز” باعتبارها إحدى أذرع إيران في نشر التشيع في محافظتي درعا والقنيطرة. وذكرت الدراسة أن جمعية “تموز” تبذل جهداً مضاعفاً لنشر التشيع خفيةً، من خلال المعونات المادية والعينية للسكان.
 
يشار إلى أن موقع “سوريا 24” أجرى في وقت سابق، تحليلاً كُشف من خلاله عن قيام إيران بتدريب وتجنيد الآلاف من المقاتلين المحليين الذين يشكلون الآن الأساس للميليشيات ذات النفوذ الأكبر داخل سوريا، وبناء قوة عسكرية يحتمل أن تزعزع الاستقرار بسبب ولائها لطهران.
 
المراجع: معرفات + جريدة النهار اللبنانية