بقلم: د. أحمد خليل الحمادي
كعادته في الفزلكة والسفسطة غير المجدية، بدأ بشار الأسد كلمته في القمة العربية التي عقدت في جدة بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٩ م وبعد عبارات الشكر البروتوكولية بتشخيص العلة التي تعاني منها الأمة العربية وهو العليل المريض المتهالك المحتاج لمنفسة تنقذه مما يعاني وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وهنا تنطبق عليه مقولة ( لو جحا بده يعمر عمر دياره)، وتساءل في البداية من أين سيبدأ ؟
وتعرض للأخطار والتي وصفها بأنها لم تعد محدقة بل محققة !!! ، وبالنسبة لذلك على صعيد الوضع السوري فقد فرض بشار ونظامه الطائفي القاتل المجرم على الشعب السوري صراعا لم تشهده أي دولة منذ تاريخ و تأسيس و نشوء الدول حيث استخدم كل قوى الدولة السورية العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية و … ضد الشعب السوري مكللة بسياسة الأرض المحروقة مستخدما كل الوسائل النارية والتدميرية وأدوات القتل ضدنا من براميل و قذائف صاروخية ورصاص بما فيها اسلحة الدمار الشامل التي استخدمها لقتل مدن و بلدات ومناطق بأكملها لمجرد سعي الشعب السوري نيل حريته وكرامته كونه مصدر السلطة ومنبعها.
كرر بشار الأسد الشعار الذي رفعه في الإنتخابات الرئاسية الصورية الأمل بالعمل بشكل مطور في القمة العربية بقوله بأن تلك الأخطار المحدقة التي باتت محققة تحتم على القادة العرب تبني شعاره ( الأمل الدافع للإنجاز و العمل )، ولقد رأينا شعاره هذا قد أصبح باعث سخرية من جميع السوريين حيث تدهورت جميع أوجه حياة السوريين.. وتعدت نسبة الفقر فيها نسبة ٩٠٪ مع تردي عام في الأوضاع المعيشية والخدمية وعدم قدرة دخل الفرد للموظفين و العاملين فيما تسمى الدولة زغيرها على تلبية حاجة الأسرة الضرورية لبضعة أيام قلائل مع تدهور سوية التعليم وانتشار الأمية وإلزام المجتمعات المحلية على توفير لوازم خدماتها من مياه وطاقة بديلة للكهرباء ومدارس وغيرها ، فلا أمل بانفراجات قادمة تتأتى من العصابة الحاكمة المسيطرة على السلطة و المتحكمة بشؤون البلد العامة و لا عمل و لا فرص عمل مع تعطل الحياة الاقتصادية و شللها.
فإذا تبنى القادة العرب طرحه الأمل الدافع للإنجاز و العمل و ما قام به لتحقيق الشعار الذي طرحه ( العمل بالأمل ) في مواجهة الأزمات و معالجة النتائج لا الأسباب للمشاكل العربية فعلى الدنيا السلام و المستقبل العربي سيكون حالك الظلمة سوداوي عبارة عن نفق بدون أي شعاع ضوء في نهايته يكون مبعثاً للأمل.
لقد راهن بشار الأسد في مواجهة الأخطار والتحديات على فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدى كما يرى بظهور عالم متعدد الأقطاب ضد الغرب ، وهنا يراهن على بروز روسيا الذي وصفه رئيسها بأنه ذيل الكلب ولا أعرف ربما يقصد ذيل الدب، والذيل سيبقى ذيلا تابعا ذليلا، وبالنسبة له سواء بقيت قيادة العالم السياسية بقطب ام بأقطاب متعددة فما سيكون تأثيره وهو كما يصفه الكثيرون بمختار المهاجرين وحتى ربما غير قادر على تسيير هذا الحي الدمشقي دون الثقل والتأثير الإيراني والروسي الذي يتحكم بمفاصل الحياة السورية ويمارسون عليه الإملاء بما يجب عليه القيام به.
من هم الأعداء للعرب في صراعهم الوجودي كما حدده بشار الأسد ؟
حددهم على الشكل التالي:
الغرب وهنا يقصد الدول الرأسمالية أو من قال عنهم بالنيوليبرالية وهنا يدخل في تناقض واضح و تناسى بأن روسيا دولة رأسمالية ولقد تحللت من شعارات الاشتراكية والشيوعية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واتخذت في نظامها العام الرأسمالية والحرية الفردية في الاقتصاد.
الصهيونية وما تقوم به من جرائم، نعم الصهيونية عدة ولكن الجرائم التي ارتكبها هو نظامه الطائفي القاتل المجرم فاقت الجرائم التي ارتكبها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، بل إذا ما قورنت بالجرائم التي ارتكبها أهبل ومصروع سورية ضد الشعب السوري تجعل من جرائم الصهيونية أقل حدة و عدوانية ووحشية على الرغم من وحشيتها الكبيرة التي مارستها ضد شعب عدو بينما هو مارسها ضد شعب من المفترض أن يكون شعبه ومستمد سلطته منه، مفارقة عجيبة و تناقض واضح جعل من السوريين تنشرح صدورهم و يفرحون و يهللون للقصف الإسرائيلي للمواقع السورية التي كانت بؤر و مصادر قتل و دمار للشعب السوري مما يدل على أرجحية عداوتهم له و للنظام على أي صراع آخر تحت وابل نيران قصفه وحقده الطائفي ضدهم.
ومن الأعداء الذين حددهم الفكر العثماني التوسعي المنكه بالفكر الإخواني المنحرف، و هنا يغمز بكل لؤم مستغلا توتر العلاقات السعودية التركية على خلفية مقتل الصحفي عدنان خاشقجي وما صاحبها من توتر للعلاقات ما بينهما وأيضا بين بعض دول الخليج العربي وقطر و… وغيرها، ولكن تناسى هذا المغفل العدو الاساسي المتمثل بإيران، الذي يتحالف معه ويفرض صراعا شاملا عاما على العرب والعروبة والمتمثل بمشروع ولاية الفقيه وتصدير ما تسميه بالثورة وأسلحتها المتعددة العسكرية والثقافية والعقائدية وغزوها للبلدان العربية وتغلغلها فيها والساعية لتهدم دول جوارها وغيرها من الدول لتقيم على أنقاضها دولة الفقيه بلبوس ديني طائفي عرقي مجوسي بعد صراع طائفي بغيض يهدد وجودنا كعرب و يحول بلداننا لشلالات دماء على غرار ما جرى في العراق و سورية و اليمن و لبنان و…والحبل على الجرار.
بشار الأسد نادى بمراجعة عمل تطور منظومة الجامعة العربية وميثاقها ونظامها وتطوير آلياتها لكي تتماشى مع العصر، ما هذا التناقض والانفصام بالشخصية الذي يعاني منه وهو كالعاهرة الداعية للحشمة و مكارم الأخلاق!!! وسورية تشهد ثورة منذ ٢٠١١/٣/١٨ م ومناداتها كانت بداية الاصلاح والتطور واعطاء متنفس للحياة العامة السورية و تعديل الدستور وتحقيق حرية و كرامة الإنسان و تطبيق القانون و قابلها بفرض حرب لا هوادة فيها على الشعب السوري لذلك، صحيح ما ورد في المقولة الشعبية العربية اسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أستغرب، قد يكون ذلك ضروريا ولكن لماذا لا تنطلق من نفسك وتتجاوب لما يطالب به شعبك أيها القاتل المجرم؟!!!
لكن ماذا يريد بشار الأسد من الجامعة العربية ؟!!! يريد أن تكون الجامعة العربية متنفس في حال الحصار ومعالجة القضايا العربية بمعالجة الأمراض لا بمعالجة الأعراض، وهذا صحيح ولكنه لا يعرف بأن المرض الخبيث الذي أصاب الشعب السوري هو ذاته بشار الأسد ونظامه و لا يمكن للشعب السوري ولا للشعوب العربية التعافي والشفاء إلا باجتثاثه والخلاص منه بعمل جراحي مما يؤدي لشفاء سورية وقلب العرب حيث غالبية أعراض أمراض الجوار السوري مضاعفات لما حل سورية من مرض أسدي وحشي و منها الإرهاب و المخدرات و الصراعات الطائفية و غيرها من أعراض.
و هنا بشار الأسد يطالب دول الجامعة العربية بعدم التدخل في القضايا الداخلية و تركها أي يقول اتركونا في سورية كنظام نعالج قضايانا فانا و نظامي نعرف كيف نتصرف مع هذا الشعب الذي ثار علينا مناديا بحريته وكرامته ، و عن طريق القتل و التهجير و الاعتقال و سياسة الأرض المحروقة سنعالج أمره و سنصل في النهاية إلى الخلاص و تصفية هذه القضايا العالقة بالخلاص من هؤلاء الذين ثاروا علينا و ستبقى سورية لمن يوافقنا و يوالنا ، هذا ما يقصده بشار الأسد في ترك القضايا الداخلية لشعوبها و قدرتها على تدبير شؤونها ، اما أنتم يا قادة عرب فما عليكم إلا منع التدخلات الخارجية في بلداننا إذا ما تحرك الضمير العالمي ضدنا نتيجة ما نقوم به بحق شعوبنا!!!
– أما ما قاله بشار الأسد عن سورية محددا عروبتها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ففيه قول وأقوال كثيرة، و لعل عتب الشعب السوري بعد الثورة على العرب عائد لهذا الانتماء، نعم العروبة هي الطابع المميز للشعب السوري، و لكن بشار الأسد نزع عن السوريين أنفسهم الوطنية والعربية بذاته، عندما قال: بأن الوطن لمن يدافع عنه، لذا نسف الوطنية والقومية والعروبة والإنسانية ونزع عن السوريين الذين لا يقاتلون لصفه و للدفاع عن كرسيه وطنيتهم، نعم نزع عنهم وطنيتهم ومنحها للميليشيات الطائفية التي استجلبها من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وفاغنر وغيرها كأدوات لقتله وإجرامه ضد الحضانة الثورية الثائرة.. و هنا ندخل في مصطلح جديد يريد أن يعممه بشار الأهبل في الأدبيات السياسية ألا و هو مصطلح الأحضان ، عندما قال بعد : ( عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان ، فالأحضان عابرة أما الإنتماء دائم ، و ربما تنقل الإنسان من حضن لآخر لسبب لكنه لا يغيير انتمائه ).
يقصد بشار الأسد بالأحضان هنا الأحضان التي احتضنته و دافعت عنه و جردت قواتها العسكرية و مقدراتها الاقتصادية لدعمه والحفاظ عليه على رأس السلطة بعد الثورة عليه و على نظام حكمه الطائفي القاتل المجرم، وكان أول حضن دافي احتضنه ميليشيا حزب الله اللبناني وعندما ظهر هذا الحضن عدم مقدرته على الحسم العسكري لصالحه على أساس طائفي تدخلت إيران بحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية من الحثالات العراقية والأفغانية والباكستانية والإيرانية والمحلية وبكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعقائدي الطائفي وفشلت في نجدته مع المحافظة على المراوحة في مكانه الصراع ووجوده.
وعندها تدخلت روسيا بقواها الجوية والبحرية والبرية و مارست وحشيتها بقصف المناطق الخارجة عن سيطرته و لكنها لم تحسم الأمر لصالحه ووصل لحافة النهاية مع فرض العقوبات والقوانين الصادرة ضده و قرارات المجتمع الدولي، لذا فأن بشار الأسد يرى في الاحضان احلاف داعمة له وتعزز سلطته ونفوذه.
ولهذا يرى في الخطوة العربية التي أتاحت له التطبيع مع بعض الانظمة العربية وحضور القمة بارقة أمل لنجدته ونجدة نظامه مما يعاني.. فهل سيتحقق له ذلك؟!! لذا قال بإمكانية تغيير الاحضان، ولنكون عمليين ومنطقيين ونطرح التساؤل التالي هل يستطيع بشار الاسد من القفز من الحضن الإيراني و الروسي ليستقر بالحضن العربي ؟!!
لا أظن ذلك، و لا أرى بأن ما قام به العرب سينقذه مما يعاني منه وستبقى الثورة السورية متفجرة حتى القضاء عليه وعلى النظام الطائفي القاتل المجرم والعصابة التي حولت سورية لدويلة المزرعة و إقامة على أنقاضها دولة الوطن و المواطن و القانون و تحقيق حرية وكرامة جميع السوريين دون استثناء.