Culture

عندما يغيب الوجدان.. لا مكان للتغني بالقيم والمشاعر النبيلة

بقلم: عبد الكريم محمد

الوجدان حاجة لتعبر من خلالها عن كل ما تحمل من صدق وتعاطف ونبل، ولا يمكن لفرد أن يعيش بعيداً عن وجدانه، إلا إذا تحول لجرو عقور أو ما يشبه الكتلة البشرية المتحركة لا أكثر.

 ولعلنا عندما نتهم أحداً بالبلادة، يعني ذلك ضمناً أننا نتهمه بقلة الوجدان، خاصة إذا ما علمنا أن الوجدان وحده، من يعبر عن قدرة  فهم  وإدراك مشاعر الآخرين..

أي أنه  يرتكز على حسٍ إنساني رفيع وشفاف، لأنه بكل صدق لا يتعلق بفعل إرادة مجردة، أو ناتج مواقف عقلية صرفة ولا حتى من الاحساس بالواجب.. بقدر ما هو تعبير ناتج عن الانفعال المحمول على كف العاطفة، وما يعكسانه من فعل عميق على الفكر والسلوك بآن معاً.

حتى أن المتصوفة ذهبوا بعيداً بوصفهم، عندما اعتبروه الحدس بالحقائق الأخلاقية، التي تمر بداية عن طريق القلب والعاطفة من غير تدخل للعقل.. وأحياناً يتلازم مع حالة الإحساس باللذة والألم والحب والكراهية، التي تتأجج في باطن النفس..

ليذهب الأدباء والشعراء إلى آخر الطريق، بأن الوجدان هو حديث النفس وخوالجها، التي ترحل إلى حيث الحب والعشق والرثاء والبكاء، لتقف عند حدود الزوال والأطلال، وتعبر عن مدى معاناة النفس وإدراكها للأشياء.

بل أبعد من ذلك بكثير، لنا أن نقول أن الوجدان هو الضمير المتقد بداخل كل فرد منا على هذه الأرض، وإن اختلفت المستويات وأنواع المشاعر والعقائد والميول والقيم.. وهو ذاك الصوت الذي غالباً ما ينطلق بردة فعل، يكاد يزلزل الجبال الراسيات، بعيداً عن المقاييس والحجوم، عندما ينطلق كردة فعل على غير هوا صاحبه.

لكن الأهم من كل ما تقدم، فالوجدان وجدانان، وجدان فردي والآخر جمعي، فالوجدان الفردي يقوم على التماهي مع ما يربطه به، ليتماهى معه أيما تماهي، قد يصل إلى حدود الانصهار المدافع الداعم المتفاني، الحالم المستحضر حتى لصورته..  لدرجة قد تغيب الخصوصية ويصبح الاخفاق طامة والانتصار هدفاً، في كل سلوك قد يزمع القيام به أحديهما أو كليهما، ولا يقف عند حدود الانتظار.

أما الوجدان الجمعي، فهو يعبر عن تماهي العائلة والأسرة والقبيلة، أو الحي والقرية والمنطقة والمدينة التي من شأنها أن تخلق حالة وجدانية عامة بينهم؛ وقس على ذلك أبناء الطائفة أو الدين، والجماعة والحزب بكل ما يحمله من أفكار وقيم تقوم بالاساس على حب الفكرة لتشكل فيما بعد، وحدة الهدف ووحدة المصير.

حتى الوطنية هي مسألة وجدانية، تؤسس للقناعة بوحدة الأهداف الكبرى وتلبية الحاجات، والدفاع عن حرية أبنائه وحياضه، ليولد بعد ذلك ما يسمى بالغيرية أو الضمير الذي يعتبر الوجدان..

الأهم من لا يقاسمك التعب ويحمل معك المسؤولية أياً تكن، لا يمكنه أن يتعايش معك وجدانياً، لأنه بكل تأكيد يفتقده تجاهك على أقل تقدير، وقد يتوجه وجدانياً أو يشده وجدانه لغيرك، أي ليس بالضرورة أن يفتقد بالمطلق للوجدان، ولو بشكل نسبي تجاه الآخرين.