يستغرب الكثيرون وجود فوارق كبيرة بين الأشخاص من حيث الصحة والشباب مقارنة بالعمر، حيث يعاني البعض من أعراض الشيخوخة المبكرة المترافقة مع الأمراض، بعكس بعض الناس الذين يعيشون لفترات طويلة وبصحة جيدة مع ظهور علامات الشيخوخة بشكل متأخر.
حيرت هذه الظاهرة العلماء لفترة طويلة جدا، وحاول الأطباء على مدى العصور البحث عن السر الذي يمز هاتين الفئتين من البشر، مع مراعاتوضبط عوامل البيئة الخارجية مثل نمط الحياة والنظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية والتوتر والعمليات اللاجينية لتفسير هذا الاختلاف.
أكد فريق من الباحثين من معهد القلب والأوعية الدموية في جامعة ستانفورد الأمريكية، من الأطباء العاملين في قسم جراحة الأوعية الدموية ومعهد أبحاث الشيخوخة “باك” أنهم وجدوا الجواب وكشفوا عن السر الغريب الذي حير العلماء لعقود.
وقاد الدكتور وأستاذ جراحة الأوعية الدموية، نزيش سيد، مع مجموعة من العلماء والأطباء، منهم يونغخنغ هونغ، المؤلف المشارك في البحث وديفيد فورمان، العالم والرائد في مجال المناعة، ومدير مشروع “Stanford 1000 Immunomes”، ورئيس مركز الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات للشيخوخة في معهد “باك”. بحثا جديدا وتوصلوا إلى نتائج مدهشة نُشرت في مجلة “Nature Aging” العلمية الشهيرة.
العمر البيولوجي مرتبط بـ”العمر الالتهابي”
قام الباحثون بمساعدة الذكاء الصناعي وتقنيات التعلم الألي، بالبحث مؤشر “العمر الالتهابي” الذي اعتبر أفضل مؤشر لطول العمر وصحة الإنسان بدلا من العمر البيولوجي.
وخلص الباحثون إلى أن “التأثيرات اللاجينية لعمليات الالتهاب، خاصة على مستوى القلب والأوعية الدموية والعصبية، مرتبطة بالكثير من الأمراض والوفيات المرتبطة بدورها وبشكل جوهري بالشيخوخة”.
كيف يرتبط “العمر الالتهابي” بالموت المبكر
ركز الباحثون على الفكرة الطبية المعروفة والقائلة بأن “الالتهاب هو عبارة عن آلية دفاعية فطرية يشترك فيها البشر مع الثدييات والكائنات الحية الأخرى”، لكن كيف يمكن أن يكون الالتهاب عاملاً للموت المبكر هي فكرة بحد ذاتها حيرت العلماء.
يعرف الالتهاب بأنه العملية الطبيعية التي تحارب بها أجسامنا مسببات الأمراض التي تحاول الدخول إلى أجسامنا، لكن العلماء ربطوا أيضا بينها وبين الشيخوخة في “على الرغم من أن أسباب وأسباب تأثيرات الالتهاب على عملية الشيخوخة لا تزال بعيدة عن فهم الباحثين”.
لكن بحسب العلماء “تكمن العلاقة بين الشيخوخة والالتهاب، برابط جوهري وهو ارتباط الالتهاب المزمن بالسرطان والأمراض التنكسية العصبية وهي أمراض مرتبطة بشدة بزيادة الشيخوخة الخلوية” بحسب “هارفارد”.
يحفز جسم الإنسان الكريات البيض والكيموكينات والإنترلوكينات والأجسام المضادة عن طريق اندفاعات الالتهاب التي تسببها النواقل الجرثومية والفيروسية والضغوط البيئية، وغالبا ما يكون لهذه الاندفاعات تأثير مفيد في تخفيف المرض أو الكشف عن مسببات الأمراض الداخلة إلى جسم الإنسان، على سبيل المثال، بسبب الالتهاب الحمى الذي بحث عند محاربة الجسم للبكتيريا، تعبئة الخلايا البلعمية والحث على إفراز العوامل المناعية، وتعديل توازن الجسم الأمر الذي يجعله يواجه المرض، لكن مع مرور الوقت ومع تقدم العمر، يمكن أن تصبح هذه العمليات ضارة.
أداة جديدة ابتكرها الباحثون لقياس”العمر الالتهابي”
من أجل فهم كيفية حدوث العلاقة بين الشيخوخة والالتهاب وما هي علامات الالتهاب التي يجب استهدافها تحديدا، ابتكر الباحثون أداة أطلق عليها اسم “iAge”، وهي أداة جديدة لقياس درجة الالتهاب المزمن لدى الشخص، وفهم ما إذا كان هذا الشخص يمتلك “شيخوخة مناعي قد تؤدي إلى المرض في وقت لاحق من الحياة”.
يقول الباحث ومدير المعاهد الوطنية للصحة المعهد الوطني للشيخوخة في أمريكا، لويجي فيروتشي، إن “ما يفعله iAge هو الدخول في آلية الالتهاب باستخدام القوة الاستثنائية للذكاء الاصطناعي والبحث عن مؤشرات حيوية مستهدفة أفضل وأكثر دقة”.
الأداة تحدد بروتين مسؤول عن الشيخوخة وأمراض الضغط والقلب
بعد عمليات البحث الذي ركز على جميع البروتينات التي تدخل في العملية الالتهابية، ظهر بروتين كمسبب لزيادة الالتهاب، يطلق عليه رمز “CXCL9″، وهو ينبئ بالشيخوخة الصحية مقابل الشيخوخة غير الصحية. وهو بروتين ينظم تنشيط الخلايا المناعية، يتم إفراز “CXCL9” عن طريق البطانة المسنة، أي في جدران الأوعية الدموية لدى جسم الإنسان.
وأكد الفريق من خلال استخدام التقنيات الجديدة أن هذا البروتين هو مؤشر على أمراض القلب والأوعية الدموية بغض النظر عن عمر الشخص، تحقق من أن وجوده يمكن أن يتنبأ بمستويات شيخوخة القلب والأوعية الدموية لدى الأفراد الأصحاء، مما يشير إلى أن استهداف هذت البروتين “CXCL9” بالعقاقير أو العلاجات قد يمنع التدهور أو الشيخوخة إلى حد كبير.
العلماء يطورون “ساعة التهابية” قادرة على التنبؤ بأمراض القلب والضغط
جمع الباحثون عينات دم من مجموعة من 1001 فرد تتراوح أعمارهم بين 8 و96 عامًا، وأجروا مقابلات مع 902 منهم للحصول على بيانات الصحة السريرية الشاملة، وأجروا نمطا ظاهريا شاملا للقلب والأوعية الدموية لـ97 فردا سليما، بالإضافة إلى عوامل القياس مثل تصلب الشرايين ودرجة التدهور في الأبهر والبطين في القلب.
وبمساعدة الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط المتكررة والتعلم الآلي، استخرجوا نموذجا تنبؤيا لأحداث الالتهاب المرتبطة بالعمر. وسمح ذلك لهم بتطوير “ساعة التهاب” لحالات الالتهاب المزمن المرتبطة بالعمر، والتي أطلقوا عليها اسم “iAge”، والتي يمكن أن تتنبأ بالسمات الحرجة لشيخوخة القلب والأوعية الدموية.
وبحسب الباحث والعالم سيد، فإن هذه الساعة الالتهابية هي عبارة عن “علامة تشخيصية قوية – إلى جانب مستويات الكوليسترول والهيموغلوبين أو عدد الخلايا البيضاء، وهي قادرة على منح العاملين في المجال الصحي القدرة على تحديد الأشخاص المعرضين للإصابة بأمراض الشيخوخة المبكرة والذين لدهم مخاطر للإصابة بالشيخوخة المبكرة وأمراض القلب والأوعية الدموية والضغط سواء لدى كبار السن أو صغار السن المعرضين لأي أمراض قد تهدد الحياة”.