Opinions

سورية تستصرخ حلاً.. والشعب هو من يقرر

بقلم: د.أحمد خليل الحمادي
يطرح البعض حكومة التكنوقراط كحل في سورية مع بقاء بشار الأسد و لو لفترة ما، فهل سيكون ذلك حلا مناسبا للمأساة السورية و ما هي الحكومة التكنوقراطية ؟

فحكومة التكنوقراط هي التي تمارس وظيفتها العامة دون أي توجه سياسي أو إيديولوجي، و الوزراء التكنوقراط هم يتولون مهامهم وفقا لاختصاصاتهم وخبراتهم العملية.. مثلا وزير النفط يكون مهندسا أو يحمل الدكتوراه في الهندسة النفطية، ووزير الزراعة مهندس زراعي أو يحمل دكتوراه هندسة زراعية، ووزير التربية تربوي ومجاز أو يحمل دكتوراه في التربية، ووزير العدل ..!!و….

كل ذلك يجري دون أي تدخل سياسي أو إيديولوجي يعتنقه مرتبط بحزب أو تنظيم ما، أي أن المقياس الشهادة والخبرة والقدرة والكفاءة، وهو وزير تنفيذي ينفذ السياسات العامة للدولة المرسومة لوزارته بكل كفاءة.. وقد يكون هو الذي يرسم سياسة الوزارة المنسجمة مع السياسة العامة للدولة.

أما في سورية ومنذ سيطر النظام الطائفي المجرم فكل الوزارات هي وزارات تنفيذية و تنفذ ما يرسم لها من سياسات أو توجيهات تتلقاها والوزير لا يتعدى أن يكون كأكبر موظف إداري في الوزارة ويتعرض للضغوط من كل الجهات السياسية والأمنية والعسكرية والحزبية وتشابكاتها بما فيها زوجته وصديقاتها ….، و رئيس الوزراء هو عضو في القيادة الحزبية القيادة القطرية سابقا و حاليا القيادة المركزية، وهو كأي عضو لا يفرض رأيه و توجهه بل يفرض عليه من يحرك و يدير الأمور الرأس الكبير المهيمن على مقاليد الأمور، لذا هو لا يرسم سياسة وزارته و لا يحددها و قد يكون حاضرا أثناء رسمها و إقرارها كأي شخص حاضر، و هو يتلقاها و ينفذ مفرداتها بحذافيرها أو ما يستطيع على ذلك سبيلا.

ولقد روى لي أحدهم ابن أخت العميد الركن المسؤول الأمني لرئاسة مجلس الوزراء أيام مصطفى ميرو، حيث قال : كنت ووالدي في زيارة خالي في مكتبه في مجلس الوزراء، دخل عليه رئيس مكتبه وأخبره بأن رئيس مجلس الوزراء في مكتبه يريد رؤيته، فقال له قرد ولو : خليه يستنى، مشغول هلق بأمر هام أبتفهم، خرج رئيس مكتبه، وتابع حديثه لي : أحرج والدي و كانت زيارتنا عادية للسلام والكلام فقط، فاعتذر والدي منه كوننا عطلناه عن مشاغله، فقال : اقعدوا و خليه ينطر مثل الكلب برا، و بقينا بعدها شي نصف ساعة وعندما خرجنا وجدناه قاعد عند رئيس المكتب ينتظر حتى يدخل على خالي.

خلاصة الحديث :
حكومة التكنوقراط في وجود النظام الطائفي القاتل المجرم لا تجدي وليست بذات مفعول ولست هي الحل ولن تكون هي الحل إلا بعد كنس النظام الطائفي القاتل المجرم والخلاص من كل تأثيره وهيمنته وسيطرته، بعد ذلك قد يكون لها دور في الحل.

وإذا أردنا وصف حكومة النظام والوزراء فهم لا يقلون كفاءة وقد يكونون أصحاب كفاءات كبيرة ولكن مشكلتهم لا دور لهم ولا حلول بأيدهم و ليسوا من يقررون سياسات وزاراتهم.. فمثلا : معقول وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك يتفاجئ بأزمة المحروقات، ووزير التربية لا يعرف الجوع الذي يعاني منه موظفيه وخدمات المدارس و…..

ولن نعود للوراء كثيرا و لكن بلمحات سريعة التي تؤشر بأن لرئاسة الوزراء والوزراء أي ثقل سياسي يحسب له حساب في دولة أمنية قمعية حولت لمزرعة خاصة تتحكم بها عصابة قاتلة مجرمة، وسنستثني من هؤلاء محمد ناجي عطري كونه خال أسماء الأخرس الذي يحسب من عظام الرقبة، فهل لرئيس وزراء كالمهندس محمود الزعبي أن ينتحر لا لشيء إلا لقوله ( بشار مش خرج ) أثناء محاولة توريث بشار في أيام حافظ الاخيرة فلفقت له تهم الفساد التي تراكمت عليه وعزل من منصبه ومن القيادة و نحروه هم ؟!!!

وأيضا غازي كنعان أداتهم الأمنية الباطشة وفيما بعد وزير الداخلية كيف له أن ينتحر لمجرد تصريح له على قناة تلفزيون الجديد اللبناني حول ملابسات اغتيال رفيق الحريري، و كان الرجل من أقوى الشخصيات الأمنية و السياسية الفاعلة ليس على صعيد السياسة السورية بل واللبنانية أيضا.

الأمثلة كثيرة و مفادها الوزراء في النظام السوري و كذلك جميع المناصب القيادية السياسية والحزبية والسلطوية في السلطات الثلاثة ما هي إلا أدوات منفذة تقوم بدورها المرسوم لها و الذي يرضي المهيمن ووفق توجهه ولا علاقة له بالسياسة العامة لوزارته ولا دور فاعل له إلا في إدارة وزارته وفق ما حدد ورسم له.. أي واجهة شكلية تستبدل عند الضرورة والحاجة و كذلك حال مجلس الشعب والسلطة القضائية، فهل يعود أن يكون في بلد قانون ومنفذ ونشاهد كل هذه المأسي التي تعرض لها الشعب السوري من قتل واعتقال وتشريد وتدمير أملاك خاصة وعامة ومدن وبلدات على رؤوس أهاليها ؟!!!

نعم سورية بحاجة لحل ينقذها مما هي فيه وأول خطوات الحل الخلاص من العصابة الحاكمة القاتلة و نظامها الطائفي القاتل المجرم ومخلفاته وإقامة دولة مدنية دولة الوطن والمواطن والقانون، وبعدها ليقرر الشعب ما يريد ممن سيفرزهم لسلطاته المختلفة بما فيها السلطة التنفيذية والحكومة سواءا كانت حكومة تكنوقراط أو حكومة برلمانية تمثل الأغلبية البرلمانية وفقا لبرنامجها الإنتخابي أو حكومة انتقالية أو حكومة شو ماكان يريدها الشعب السوري.