أشار الدبلوماسي الفرنسي السابق جيرارد أرو إلى أن أوروبا تتخلف بشكل متزايد في مجال التكنولوجيا، عن الولايات المتحدة والصين، وليس لديها إجابة لمعظم التحديات السياسية.
وأكد سفير فرنسا السابق لدى واشنطن في حديثه مع صحيفة “لو بوينت” أن القارة العجوز تخاطر بالتحول إلى دار رعاية مريحة للمسنين في الوقت الحالي، وقال أرو إن “الأوروبيين يقفون في مؤخرة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، وليس في طليعة هذه التغيرات”.
وأضاف: “لا تشهد أوروبا عودة الحروب بين الدول بعد أطول فترة سلام منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية فحسب، بل إن محيطها المباشر يشكل أيضا تهديدا، وتوسع تركيا طموحاتها من القوقاز إلى ليبيا، دون أن تنسى المياه الإقليمية لقبرص واليونان”.
وتابع: “وفي الشرق الأوسط، أصبحت إيران على بعد خطوتين من الانضمام إلى النادي النووي، ولم تتعاف ليبيا قط بعد سقوط القذافي. وتونس والجزائر ممزقتان بين الاستبداد والأسلمة والرغبة في الديمقراطية. وأخيرا، في جنوب المغرب العربي، هناك انفجار سكاني في إفريقيا، التي سيتضاعف عدد سكانها تقريبا في العقود المقبلة، وهو ما ينذر بزيادة حادة في ضغوط الهجرة على القارة”.
كما أشار إلى أنه وبالإضافة إلى مواجهة المخاطر الجيوسياسية، يتعين على أوروبا أن تشارك بشكل كامل في الثورة التكنولوجية المقبلة، لافتا إلى أنها تمتلك الموارد العلمية اللازمة، ومع ذلك، في الواقع ليس هذا هو الحال: المزيد من الباحثين والمهندسين يذهبون إلى الولايات المتحدة، حيث سيجدون بالتأكيد التمويل اللازم والمناخ المناسب لإنشاء وتطوير الأعمال التجارية. وكما ذكرنا من قبل، فإن الولايات المتحدة تقدم الابتكارات، بينما تقوم أوروبا بتنظيمها”.
وأضاف أرو: “كنت أقابل باستمرار الشباب الفرنسيين الذين يأتون إلى الولايات المتحدة لإحياء فكرة ما، أو الحصول على براءة اختراع، أو إجراء البحوث. لقد كانوا يعلمون أنه سيكون من الأسهل عليهم البقاء على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
ومن الجدير أن نتساءل عما إذا كانت قارتنا أصبحت وجهة سياحية تحسد عليها بسبب مناظرها الطبيعية ومعالمها ونوعية حياتها – بينما يتم تشكيل المستقبل في بلدان أخرى”.
وأكد أنه “في مواجهة هذه التحديات، يتعين على الأوروبيين أن يعالجوا في الوقت نفسه مشاكلهم الداخلية”، مشيرا إلى أن “النموذج الألماني أثبت عدم فعاليته، فبعد أن قامت ألمانيا ذات يوم ببناء استراتيجية تعتمد على الطاقة الرخيصة من روسيا، وصادراتها والحماية من الولايات المتحدة، تتحمل الآن وطأة الصراع في أوكرانيا، والعواقب المترتبة على التخلي عن الطاقة النووية والمنافسة من جانب الصين”.
وتابع: “اهتز النظام السياسي في ألمانيا بسبب الشعبوية – اليسار واليمين. إن النموذج القائم على الإجماع يجعل من الصعب اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة في بلد يعاني سكانه من الشيخوخة السريعة أيضا – والذي يتمسك بعناد بالوضع الراهن الذي كان حتى وقت قريب مريحا للغاية بالنسبة له. وفي المقابل، تغرق فرنسا، التي أضعفها وضع ميزانية الدولة بالفعل، في أزمة سياسية من المرجح أن تستمر ولن تسمح لها بأن يكون لها أي وزن داخل الاتحاد الأوروبي.. السياسة الخارجية هي إسقاط خارجي للقوة الداخلية، ومن غير المرجح أن تثير فرنسا المنقسمة في ظل حكومة غير مستقرة إعجاب شركائنا، وفي بلدان أخرى، تدعو الحركات الشعبوية في كل مكان (سواء وصلت إلى الحكومة أم لا) إلى أفكار قومية تتعارض مع التدابير التي تنسقها بروكسل”.
وأشار إلى أنه “في جميع الأحوال فإن الأحزاب المعتدلة سوف تستسلم بسهولة لرغبات السكان المسنين الذين يحتاجون إلى الحماية بدلا من الإبداع. يبدو الاتحاد الأوروبي الآن وكأنه دار رعاية أكثر من كونه شركة ناشئة”.
وأكد الدبلوماسي الفرنسي أنه بسبب هذا “فمن المرجح أن ينجر الأوروبيون إلى مؤخرة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم بدلا من أن يقودوها. لقد بدأت تدابير الحماية تعود من جديد، سواء بشكل علني كما هي الحال في الولايات المتحدة، أو بشكل أكثر سرية كما هي الحال في الصين، حيث يتم بذل كل ما هو ممكن لتحفيز الصادرات الصناعية. لقد فشل إنتاج الخلايا الشمسية الأوروبية في مقاومة هذا الاتجاه، وقد يحذو إنتاج السيارات الكهربائية حذوه قريبا”.
وأشار إلى أنه “كما هو الحال دائما، ونظرا للإجراءات المرهقة وتفتت الدول الأعضاء، فإن هذا سوف يستغرق وقتا طويلا، والعزيمة التي من الواضح أنها مفقودة.. تقرير دراغي الذي نشرته المفوضية الأوروبية مؤخرا، والذي يقترح تدابير جريئة لانتشال قارتنا من الركود، قوبل بالصمت في أغلب العواصم وبالرفض الصريح في برلين”.
وشدد على أنه “في مواجهة التهديد العسكري، بدأت كافة الدول الأوروبية في زيادة ميزانياتها الدفاعية ـ وبشكل كبير في بعض الأحيان، كما فعلت بولندا. ومع ذلك، فإن التصريحات لا تتبعها دائما أفعال، كما هو الحال في ألمانيا، ويكون الحيز المالي محدودا في بعض الأحيان، كما هو الحال في فرنسا وإيطاليا. وفي كل الأحوال، فإن القيود المفروضة على دعم أوكرانيا، سواء من حيث حجم أو استخدام الأسلحة المنقولة، لا تعني ضمنا وجود حل جيوسياسي صارم، أوروبا تتقلب في نومها ولم تستيقظ بعد”.
واختتم الدبلوماسي الفرنسي حديثه متسائلا: “هل هذا يعني أننا يجب أن نيأس؟ هل نبقى نحن الأوروبيين حقا متفرجين على صحوة التاريخ؟.. يجب أن نكون قادرين على الاستفادة من الوضع، الأمر الذي سيكون إشكاليا إذا تركنا القرار لموسكو أو أنقرة أو بكين أو حتى واشنطن”.
المصدر: لو بوينت