Economy Politics

تقرير صحفي: حرب عملات… لماذا ينتظر العالم حقبة من عدم الاستقرار وانقسام النظام الدولي؟

يقول تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”، إنه في الوقت الذي تأكدت فيه روسيا – بعد العقوبات الغربية – أن عملات أعدائها ليست صالحة للاستعمال، فإن الأمر يكتسب أهمية متزايدة من قبل العالم أجمع وليس موسكو فقط، حيث ينذر بتداعيات كبيرة من جراء إلغاء تداول العملات الأكثر عولمة في العالم.

السيطرة على مصالح الشعوب

المال هو منفعة عامة لأي أمة، وبالتالي فإن المال العالمي – الذي يعتمد عليه الناس في معاملاتهم عبر الحدود وقراراتهم الاستثمارية – هو منفعة عامة عالمية، لكن الجهات التي تتحكم في هذه المنفعة للصالح العام هي الحكومات الوطنية، بحسب التقرير.

حتى عندما كان العالم يحتكم إلى معيار الذهب القديم، كان هذا هو الحال، وفي العصر الحالي للعملات الورقية (من صنع الحكومة)، وتحديدا منذ عام 1971 كان هذا هو الحال بشكل أكثر وضوحا.

في الربع الثالث من عام 2021، كان 59% من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية مقومة بالدولار و20% باليورو و6% بالين و5% بالجنيه الإسترليني.

لا يزال اليوان الصيني يشكل أقل من 3% من الاحتياطيات العالمية. وبقول آخر فإن الأموال العالمية تصدر وتتحكم فيها قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

صحيح أن الأموال الخاصة بالاقتصادات المفتوحة ذات الأسواق المالية مرتفعة السيولة وذات الاستقرار النقدي وحكم القانون- مفيدة للجميع (أو هكذا يبدو)، فإن استخدامها كسلاح بجانب الأنظمة المالية يقوض ممتلكات أي مالك يخشى استهدافه.

البحث عن بدائل

وبحسب الصحيفة فإن العقوبات المكثفة التي فرضها الغرب على البنك المركزي الروسي تشكل صدمة للعالم، حيث تتسأل الحكومات من هو التالي؟ ماذا يعني ذلك لسيادتها؟

سيؤدي تسليح العملات إلى تفتيت الاقتصاد العالمي وجعله أقل كفاءة، وفي عالم تسوده التوترات الدولية الشديدة، سيتحول ذلك إلى قوة أخرى لهدم العولمة.

الأكثر إثارة للقلق لدى صانعي السياسة الغربيين هو أن استخدام هذه الأسلحة قد يضر بهم، فقد يسارع بقية العالم لإيجاد طرق للمعاملات وتخزين القيمة تتحايل على العملات والأسواق المالية للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما تحاول الصين فعله الآن.

أيضا، يمكن للمرء أن يتخيل أربعة بدائل للعملات الوطنية المعولمة اليوم؛ مثل العملات المشفرة ونقود السلع (مثل الذهب) أو عملة ورقية عالمية (مثل حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي) أو عملة وطنية أخرى مثل اليوان بالطبع.

لكن القيمة السوقية لجميع العملات المشفرة حاليا تبلغ تريليوني دولار، أي ما يعادل 16% من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية، في حين أن التعامل في العملات المشفرة مباشرة أمر مرهق بشكل كبير للغاية.

يمكن أن يكون الذهب أصلا احتياطيا، ولكنه سيئ في إجراء المعاملات. كما لا توجد فرصة للاتفاق على عملة عالمية ذات وزن كاف حتى لتحل محل الاحتياطيات، ناهيك عن أن تكون أداة معاملات عالمية.

التهديد الحقيقي للغرب

هذا يترك العالم أمام خيار العملة الوطنية الأخرى. يخلص كتيب حديث كتبه غراهام أليسون من جامعة هارفارد وزملاؤه عن “التنافس الاقتصادي العظيم” إلى أن الصين هي بالفعل منافس قوي للولايات المتحدة، ويشير التاريخ إلى أن عملة اقتصاد بحجمه وتعقيده وتكامله ستصبح “مالا عالميا”.

لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وذلك لأن النظام المالي في الصين غير متطور نسبيا، وعملتها غير قابلة للتحويل بالكامل، كما أن الدولة تفتقر إلى سيادة القانون الحقيقية (من وجهة نظر الغرب).

في حين أن حاملي الدولار والعملات الغربية الرئيسية الأخرى قد يخشون العقوبات، يجب عليهم بالتأكيد أن يكونوا على دراية بما قد تفعله الحكومة الصينية أيضا، بحسب التقرير.

وعلى نفس القدر من الأهمية، تعلم الدولة الصينية أن العملة المدولة تتطلب أسواقا مالية مفتوحة، لكن هذا من شأنه أن يضعف بشكل جذري سيطرتها على الاقتصاد.

في ظل الافتقار إلى بديل موثوق به حقا، يعتقد أن الدولار سيظل العملة المهيمنة في العالم، ومع ذلك، هناك حجة ضد هذا الرأي المتهاون.

نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود في الصين “سي آي بي إس” ينظر إليه كبديل لشبكة “سويفت” التي يسيطر عليها الغرب، كما أن العملة الرقمية الصينية “اليوان الرقمي”. كلاهما قد يصبح نظام دفع مهيمن وعملة مركبة، على التوالي، للتجارة بين الصين وشركائها.

على المدى الطويل، قد يصبح اليوان الإلكتروني عملة احتياطي مهمة، ويجادل محللون من معهد “هوفر” بأن ذلك من شأنه أن يمنح الدولة الصينية معرفة مفصلة بمعاملات كل كيان داخل نظامها وسيكون ذلك مصدرا إضافيا للقوة.

الانقسام
الهيمنة الساحقة للولايات المتحدة وحلفائها على التمويل العالمي اليوم، هي نتاج الحجم الاقتصادي الكلي والأسواق المالية المفتوحة، والتي تمنح عملاتهم مركزا مهيمنا، بحسب الصحيفة.
واليوم أيضا، من المرجح أن يشكل التضخم المرتفع تهديدا أكبر للثقة في الدولار من استخدامه كسلاح ضد الدول الأخرى، وعلى المدى الطويل، قد تكون الصين قادرة على إنشاء قلعتها الخاصة الداعمة لاستخدام عملتها من قبل أولئك الأقرب إليها.
حتى الآن، فإن أولئك الذين يرغبون في التعامل مع الدول الغربية سيظلون بحاجة إلى العملات الغربية، لكن هذا سيعني ظهور نظامين نقديين – غربي وآخر صيني – يعملان بطرق مختلفة ويتداخلان بشكل غير مريح.
لذلك لا يعد المستقبل بنظام عالمي جديد مبني حول الصين بقدر ما هو “مزيد من الفوضى”، وفي النهاية قد ينظر مؤرخو المستقبل إلى عقوبات اليوم كخطوة أخرى في تلك الرحلة.