إعداد: عبير الشهابي
اليوم وبعدما كان الاقتصاد الصيني منافسا للاقتصاديات العربية أصبح متكاملا معها، حيث باتت أغلب صادرات الدول العربية من النفط والغاز والمعادن مثل الحديد والفوسفات والمنتجات الزراعية، ترى بالصين قبلتها الواعدة.
بالمقابل كانت وما تزال الاقتصادات والأسواق العربية متعطشة للمنتجات الصينية، خاصة الصناعية منها والالكترونية، ليس لجودتها وإنما لسعرها المقبول، الذي يناسب قدرات الطبقات الوسطى في العالم العربي.
وعبر تخفيض الأسعار ولو بتقليص جودة المنتجات، والعمالة الرخيصة والمؤهلة، تمكنت الصين من اختراق الأسواق العربية التي كانت إلى وقت قريب حكرا على شركات أمريكية وأوروبية معروفة بأسعارها المرتفعة.
ولعل النمو السريع وتطور الصناعة التحويلية، جعلت السوق الصينية شرهة للطاقة والمواد الخام، إلى درجة أنها أصبحت أكبر مستهلك للنفط في العالم بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا، جزء كبير منه يتم استيراده من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية أكبر مصدر للنفط إلى السوق الصينية، وبلغت الصادرات النفطية العربية للصين في 2018 نحو 107.7 مليارات دولار.
وتصاعد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بشكل مضاعف، حيث بلغ 224.3 مليار دولار في 2018، بينما لم يتجاوز 36.7 مليار دولار في 2004، بحسب قمة الأعمال الصينية العربية.
وبلغت التجارة الخارجية للصين مع العالم 6 آلاف مليار دولار في 2021، وهذا الرقم الضخم جعل بكين الشريك التجاري الأول لـ120 دولة حول العالم، بما فيها غالبية الدول العربية.
ومع بداية استغلال النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، خاصة منذ عام 2008، وبكميات كبيرة، تقلصت حاجة واشنطن للنفط والغاز العربي.
بل إن الولايات المتحدة التي كانت أكبر مستورد للغاز الجزائري، أصبحت مصدرة له، وبسرعة صعدت الصين إلى مرتبة الشريك التجاري الأول للجزائر، متجاوزة واشنطن وروما وباريس.
وكذلك الأمر بالنسبة للنفط، وإن ما زالت الولايات المتحدة مستورد له رغم إنتاجها الكبير، ولكنها تراجعت خلف الصين، التي تحولت إلى أكبر مستورد عالمي للنفط.
وهذا التحول في الاقتصادين الصيني والأمريكي بداية من 2008، دفع الدول العربية إلى تعميق شراكتها مع بكين في الوقت الذي تراجع فيه الاهتمام الأمريكي بالنفط والغاز العربي مع اكتشاف واستغلال النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة.
في هذه اللحظة التاريخية استلمت الصين مشعل الريادة في الشراكة التجارية مع العرب من الولايات المتحدة.
واستغلت الصين السياسة الأمريكية المتشددة مع الدول العربية في عدة ميادين، على غرار التعاون العسكري ونقل التكنولوجيا، الذين شكلا ثغرات نفذت منها بكين إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دون إثارة قضايا حقوق الإنسان أو شروط تمس سيادة هذه الدول.
وامتلاك الصين فوائض مالية ضخمة، ساعدها على استثمار مليارات الدولار في الوطن العربي خاصة في البنية التحتية، وتقديم قروض ومنح للحكومات العربية، التي ضاق بعضها ذرعا من الهيمنة الأمريكية والغربية، والضغوط التي تمارسها عليهم في أكثر الملفات حساسية.
ناهيك عن، أن التجربة الصينية أصبحت ملهمة للعديد من الدول العربية، وكيف تحول بلد يعاني المجاعة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما يجعل فكرة استنساخ هذه التجربة محل اهتمام العديد من الباحثين وصناع القرار عند العرب.