بقلم: عبد الكريم محمد
لم تكن الأيام مثل هذه.. كانت مساءاتها مفعمة بالحياة.. وكانت الأزقة تضج بالحركة لحظة انتظار الخير القادم من البعيد.. التي تحمله الأنوثة لبناً.. ليعم الخير على أفواه، انتظرت سد رمقها عند المساء..
كانت النعاج كما الأمومة، لأنها منبع للخير والخصب والديمومة.. كان اللبن ستراً وصوت الخراف والأجراس نغماً.. كانت الغنم غنيمة، اليوم أصبح الجوع فضيحة.. وكل من حولنا عبئاً.. والراعي أصبح وحشاً كاسراً، يرى بكل منا الفريسة..
أي جرح نازف، استعار شكل الجفون.. لتصبح الدماء دمعاً بلون الأقحوان.. والدمع دماً بلون الكحل، المرسوم سحراً حول العيون.. أية لحظات هذه، عندما يختبئ الفرح خَجِلاً، خلف الأحزان؟!
لا تذب أو تتوارى خجلاً أيها الفرح، أمام الحزن.. لتبقى بارقة أمل تشرئب لها الأعناق.. كما الزيزفون.
كانت الساعة بعد مطلع الفجر.. وكان المطر رهاماً.. ووجوهنا المتعبة تميل نحو الصفرة.. وعيوننا الذابلة نعساً بانتظار الفاجعة..
خانتنا الذكريات.. خانتنا الأمنيات.. ولم يتبق إلا الحنين، لحظة الرحيل أو قل الاحتضار.. لم يتبق إلا الرسوم.. وبقايا من صور مزقتها الأحزان..