لا شك أن سورية تواجه أزمة حادة مع بداية فصل الشتاء القاسي، تزامناً مع القرار الإيراني المفاجئ بوقف إمدادات النفط الخام، مما أجبر مصفاة بانياس، أكبر مصفاة نفط في البلاد، على تعليق عملياتها، الأمر الذي دعا السعودية لتصدير النفط إلى سوريا دون سابق أنذار.
السعودية تعتزم تصدير النفط لـ سوريا بدلا من إيران
وسط هذه الأزمة، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب محوري بعد إعلانها عزمها على تزويد سوريا بالنفط، مما أثار تساؤلات حول الكيفية التي ستُدار بها المرحلة المقبلة في المنطقة في ظل تغير التحالفات والجغرافيا السياسية للطاقة.
تأتي هذه الأزمة بشأن تصدير النفط الخام الى سوريا في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تطورات كبيرة، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي حكم سوريا لستة عقود، وبدء مرحلة انتقالية جديدة. هذه التطورات فتحت الباب أمام قوى إقليمية، مثل السعودية وتركيا، لإعادة رسم سياسات أمن الطاقة في المنطقة.
إيران، التي كانت تزود سوريا بحوالي 80 ألف برميل يوميًا، شكلت المصدر الرئيسي لواردات النفط السوري خلال السنوات الماضية، في ظل العقوبات الغربية التي فرضت على دمشق. ومع توقف هذه الإمدادات:
- تعليق عمليات مصفاة بانياس: أفاد مدير المصفاة، إبراهيم مسلم، أن آخر دفعة من الوقود تم إنتاجها يوم الجمعة الماضي. المصفاة، التي كانت تعالج بين 90-100 ألف برميل يوميًا، أصبحت غير قادرة على العمل بسبب نقص الإمدادات.
- اعتماد كبير على المخزون: أكد مسلم أن الوضع لا يزال “مستقرًا” حاليًا بفضل الكميات المخزنة من الوقود، لكنه أشار إلى ضرورة توفر النفط الخام قريبًا لضمان استمرار العمليات.
السعودية تتعهد بتزويد سوريا بالنفط
ردًا على الأزمة، أعلنت المملكة العربية السعودية عن نيتها تزويد سوريا بالنفط لتخفيف الأعباء الاقتصادية وضمان استقرار الطاقة في البلاد.
- توقيت حساس: تأتي هذه الخطوة في ظل التحولات السياسية والجغرافية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
- تعزيز الدور الإقليمي: هذه الخطوة من شأنها أن تعزز مكانة السعودية كداعم للاستقرار الإقليمي، خصوصًا مع تزايد التنافس على النفوذ في سوريا بين القوى الكبرى مثل تركيا وإيران.
تركيا وإعادة تشكيل سياسات الطاقة
تركيا، التي تعتبر لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، قد تستفيد بشكل كبير من غياب النفوذ الإيراني في سوريا، خصوصًا في مجال الطاقة.
- إعادة إعمار سوريا: أشارت كيت دوريان، الزميلة الزائرة بمعهد دول الخليج العربي بواشنطن، إلى أن تركيا يمكن أن تسد الفراغ النفطي في سوريا وتلبي احتياجاتها من الوقود، مما يتيح لها دورًا بارزًا في عملية إعادة الإعمار.
- تحقيق الاستقرار: الدور التركي سيعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة الانتقالية في سوريا على تحقيق الاستقرار وإدارة مواردها بفعالية.
مستقبل أمن الطاقة في سوريا
مع التغيرات السريعة في المشهد السياسي والجغرافي في سوريا، يبدو أن مستقبل أمن الطاقة في البلاد سيتحدد بناءً على:
1- تنوع مصادر النفط: الاعتماد على مصادر متعددة مثل السعودية وتركيا لتقليل الاعتماد على إيران.
2- رفع العقوبات: توقعات الحكومة السورية الجديدة برفع العقوبات ستسهم في تسهيل استيراد النفط وقطع الغيار اللازمة لتشغيل المصافي.
3- التعاون الإقليمي: تعزيز العلاقات مع دول الجوار لضمان استقرار إمدادات الطاقة.
توقف إمدادات النفط الإيرانية إلى سوريا يُعد اختبارًا حقيقيًا للقدرة على تحقيق الاستقرار في البلاد بعد سنوات من الصراع. مع دخول السعودية على خط إمدادات الطاقة، تبدو فرص التعاون الإقليمي أكبر من أي وقت مضى.
يبقى السؤال حول مدى استعداد الحكومة الانتقالية السورية لإدارة هذه المرحلة الحرجة واستثمار الفرص المتاحة لبناء مستقبل جديد للطاقة في البلاد.