بقلم: عبد الكريم محمد
إنها المفارقة حقاً مابين الشعارات البراغماتية الكاذبة، والأهداف الحقيقية التي يسعى لها كل صناع السياسة الأمريكة، بمعزل عن التسميات الكاذبة والاختلافات المصطنعة بين الجمهوريين والديموقراطيين.. ها هو الرئيس الأمريكي جو بايدن “الديموقراطي” بتحالفه اليساري العتيد، يتخلى عن منظومة “القيم” التي يتشدق بها في المحافل الأمريكية والدولية، ضارباً عرض الحائط مسألة حقوق الإنسان التي تعتبر القضية الأسمى والأهم، بل والغاية المنشودة.. معتبراً أن القضايا المصلحية الآنية هي الأهم في جولته الشرق أوسطية..
بل أن ما قاله عن موقفه بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي “كان واضحا لا لبس فيه، وأن سبب توجهه إلى السعودية أوسع من مسألة الحديث عن حقوق الإنسان”.. وكأن الإنسان من وجهة صاحب الشعارات الرنانة، لا يساوي قطرة نفط واحده، وأن برميل نفط واحد يتساوى مع دماء فقراء الأرض جميعاً، ومن دون استثناء.
هذا الكلام ليس استنتاجاً ولا موقفاً دهرياً، كما هي مواقف الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بل هذا ما قاله في مؤتمره الصحافي المشترك، بعد التوقيع على “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.. قال بايدن: “لا اهدأ عن الحديث عن حقوق الإنسان (عن خاشقجي)، لكن سبب توجهي للسعودية أوسع من ذلك، وهو للترويج للمصالح الأمريكية التي كنا على خطأ بالتراجع عنها في الشرق الأوسط”.
لم يتوقف السيد بايدن، عند حدود النفط والصراع والأزمات التي تعصف في هذا العالم، ليتجاوز أدب الحديث، باعتبار أن المصالح الأمريكية أهم وأسمى من أي اعتبار، أياً يكن هذا الاعتبار، حتى ولو فتح بوابة الحروب على مصراعيها، المهم مصالح أمريكا وحسب، وبعد ذلك فليأتي الطوفان.
وأن الأهم، دولة احتلال مارقة كإسرائيل وعصابات النظم الفاسدة والديكتاتورية هي الحليف الأمثل، في المنظومة الفكرية والعقيدية التي تدفع قادة أمريكا لجر العالم خارج المألوف على الدوام، وممارسة كافة أنواع السياسات اللا أخلاقية على الإطلاق، بل والتي تفتقد إلى التوازن والحس الإنساني..
اليوم يدعي بايدن أنه يقف بثبات على بوابة انتصار “القيم”، انطلاقاً من وضعه حجر الأساس في “دمج إسرائيل الدولة اللقيطة في المنطقة.. ليتذرع بكذبة السلام بينها وبين دول المنطقة باعتباره – السلام – هدفاً أساسياً.. وأن نشوة انتصاره، تتلخص أو تختزل، في أنه أول رئيس أمريكي يسافر مباشرة من تل أبيب إلى جدة، حاملاً بجعبته فرص السلام والاستقرار، الذي يمكن أن يتحقق في المنطقة”.
والأنكى من ذلك كله، أنه تحول إلى مبشر وداعية بقوله: “إسرائيل يجب أن تبقى دولة يهودية مع ضمانات أمنية”، معتبرا أن “أفضل حل، حل الدولتين لشعبين وأن تحترم الحقوق المتبادلة لكلا الشعبين، وهذا يساهم في الأمن للشعبين على المدى البعيد”.
السؤال متى سيعلن بايدن الولايات المتحدة دولة دينية؟! والسؤال الآخر والأهم، متى سيسمح لقيام الدول الدينية في الشرق الأوسط والعالم، بعد تأكيده على يهودية دولة إسرائيل؟!