بقلم: إياد مصطفى
شهدت الآونة الأخيرة، حركة محمومة على كافة المستويات، لجهة ترتيب الأولويات في السياسة الأمريكية، والتي اتخذت مساراً واضحاً باتجاه خفض التوترات، التي تعشها النظم بشكل عام، والنظم الشرق أوسطية بشكل خاص.. أي أن أمريكاً ابتعدت كثيراً عن ما يسمى بسياسة الفك والتركيت، إلى ما يمكن أن يسمى بسياسة التهدئة وترحيل الأزمات، إذا ما أمكنها ذلك دون أية تكلفة أو ضريبة قد تتنكبها أمريكا.
هذه السياسية الأمريكية أصبحت من الماضي، خاصة تلك التي تؤمن بإعاد انتاج الأنظمة، تماماً كما هي الطريقة المتبعة في إعادة وتدوير النفايات.. فالمطالب باتت أكثر والأزمات أصبحت أعمق بما لا يقاس، خاصة بعد فشل السياسات الأمريكية، التي اتبعت في بداية القرن الواحد والعشرين، في أفغانستان والعراق، وما تبعها من سياسات، هدفت من خلالها لإسقاط المطالب الشعبية العربية، التي تمثلت واضحة في حركة الربيع العربي، باعتبارها حركة نهضوية تغييرية.
بل أن ما يجري هذه الأيام بما يسمى بسياسية انفتاح العلاقات بين النظم، تأتي كمحاولة هشة، لا يمكنها أن تحصد كثيراً من النتائج، وأن ما تحاول أمريكا والغرب في حشر وتسويق كل المسائل والمعضلات،.. وخطوط الغاز والنفط والكهرباء، باعتبارها مشكلات اقتصادية وحسب.. مجرد ترهات لا تجد ما يتمثلها واقعاً عند شعوب الشرق الأوسط ومن بينهم العرب..
وأن النشاطات التي نشهدها هذه الأيام، لجهة إعادة إحياء مشروع خط الغاز العربي، والذي على ما يبدو ظهر شكلانياً على أنه مشروع من بناة أفكار الملك الأردني، مجرد كذبة مكشوفة للجميع، وأن موافقة الإدارة الأمريكية على إعادة تشغيله، مع الربط الكهربائي العربي وغيره من المشاريع الخلبية، بحجة تزويد لبنان بالغاز، من أجل إبعاده عن إيران، مجرد أكاذيب.. بل تأتي كخطة أولية للبدء في عمليات التوضيب التي اتخذتها الإدارة الأمريكة، والتي لم تختلف عن إدارة ترامب بالمطلق.
وحتى يكون الأمر واضحاً أن عملية التطبيع مع نظام الأسد من قبل بعض الدول العربية، بالتوازي مع عملية النطبيع مع إسرائيل، وبداية الحوار السعودي – الإيراني، والمفاوضات السرية اللبنانية – الإسرائيلية.. لم تكن محض الصدفة على الإطلاق، بل كل ذلك يأتي من خلال مخطط مرسوم بكل تفاصيله الدقيقة..
وأن إدارة الرئيس جو بايدن متجهة نحو تطبيق استثناءات واسعة، خاصة المتعلقة بكل الإجراءات والعقوبات المتخذة أمريكياً من ذي قبل بحق الكثير من الدول بما فيها إيران وقانون قيصر وغيرها.. وأن ما يسمى بمنح كلا من الأردن ولبنان استثناءات هامة، بذريعة حل أزمات لبنان المستفحلة، وخاصة في مجال الطاقة، وبهدف تقديم عوائد وفوائد مالية واقتصادية إلى الأردن، الذي يبحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية والمعيشية، نتيجة الأزمات الخانقة التي تعصف به.. مجرد ذرائع واهية لا أكثر.
فالاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، باتت واضحة وهي تسعى بالامساك بكل أوراق اللعبة الشرق أوسطية، عبر وكلاء محليين كما درجت عليها العادة من قبل.. ومنع قيام قوة عربية أو إسلامية أياً تكن الظروف والمبررات، ومحاولة لإعادة إحياء المنظومة الأمنية الشرق أوسطية، بقيادة إسرائيل تحت الرعاية الأمريكية المطلقة.
لكن بعيداً عن مفهوم التغني بالقادم، ستظهر قريباً مواقف جادة من الكثير من بعض الدول المتضررة، لتشكل عقبة كأداء أمام استكمال عملية تمرير هذه السياسة الكلاسيكية المفضوحة، وسنعيش متغيرات لم تكن بحسبان راسمي السياسة في البيت الأبيض ومنفذيها في الكرملين.