Opinions

التخلص من الميليشيات والتحول لبناء المؤسسات.. حلاً لا مناص منه

بقلم: عبد الكريم محمد

منذ ثمانينات القرن الماضي، جربت الكثير من الشعوب في العديد من القارات خاصة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حل مشكلاتهم السياسية والاجتماعية بل والوطنية بشكل عام، عبر احلال الميليشيات بديلاً عن الدولة – المؤسسة.. قد تكون هذه الحالة خياراً مفروضاً في مرحلة تاريخية، لجهة الصراع مع النظم الدكتاتورية أو جيوش الاحتلال الخارجي الجاثمة على الأرض الوطنية.

أو وسيلة من الوسائل المجدية للعملية الثورية، توطئة لاختزال عامل الزمن والتخلص من ربق الاحتلال وقذارة الديكتاتورية؛ ليتسنى لذراع العمل والانتاج بالبدء في الولوج بالمرحلة الأخرى، والتي تتمثل في بناء دولة القانون والمؤسسات والرقع المحمية وحقوق الإنسان.. أما أن تبقى العصابة هي الغاية والهدف في المجتمعات، لحظتها تصبح الديكتاتورية والاحتلال نعمة، قبال نقمة الميليشيات التي تعيث في الأوطان خرابا وفساداً..

المهم بالأمر، إذا كانت الميليشيا حاجة أو وسيلة في لحظة تاريخية عند هذا الشعب أو ذاك، لا يمكننا أن نعتبرها ديناً أو عقيدة مفروضة على البشر، لتنتج لنا فيما بعد قائداً للثورة وأعضاء قيادتها، الذين لا يمسسهم الباطل لا من أمامهم ولا من خلفهم، باعتبارهم أرباباً على هذه الأرض، ووجوب التقرب منهم طريقاً وحيدة للتقرب زلفى إلى الله، إن وجد في عقائدهم وأيدولوجياتهم، أن ثمة إله من دونهم.

على الناس والعصابات والميليشيات، بمعزل عن أيدولوجياتهم، أن يفهموا حقيقة واحدة لامناص منها، أن العظمة تتأتي من عمليات البناء الاجتماعي، وأن البشر جميعهم بحاجة إلى عقد بالتراضي، يؤمن لهم شبكة الأمان الاجتماعي، ويلبي حاجاتهم الأساسية والملحة، عبر المؤسسات المنضبطة والخاضعة لسيادة القانون، المحافظة على الحريات العامة والخاصة في إطار الخدمة المجتمعية، لا أكثر ولا أقل.

دون ذلك سيبقى الصراع إلى أجيال وأجيال، وأن هذا الصراع سيحرق بإواره الظالم والمظلوم دونما تمييز بينهما، وسيخلف مجتمعات عاقرة معوّقة متخلفة، تحتاج إلى عشرات بل مئات من السنيين، لتعود إلى حالة المجتمعات البدئية لا أكثر..