بقلم: د.أحمد خليل الحمادي
أصدر الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الخاص بحماية ورعاية الأطفال مجهولي النسب. يحمل هذا القانون المحددات والمعايير، ويوزع المسؤوليات والأدوار، لتأمين الرعاية العادلة للأطفال مجهولي النسب، والتي تقوم على توفير العيش لهؤلاء الأطفال ضمن بيئة سليمة تضمن تأمين احتياجاتهم وتربيتهم، وتعليمهم، وحمايتهم ليكبروا كبقية أطفال المجتمع.
ويستهدف المرسوم، الأطفال مجهولي الأم والأب، أو، مجهولي الأب ومعلومي الأم لكن أمهاتهم تخلت عنهم ولا يوجد مَن يرعاهم. ولطالما ولد الطفل مجهول النسب، فاقداً لمن يرعاه ويحميه، فإن هذا المرسوم جاء ليعوضه عن هذا الفقد بما يحمله من أحكام إجرائية وتوصيفات قانونية اجتماعية، تكفل حصول الأطفال مجهولي النسب على حقوقهم الأساسية في حياة آمنة دون تمييز عن أقرانهم من أطفال المجتمع وتحميهم من الاستغلال والإهمال والضياع.
يخلق هذا المرسوم عبر التعليمات المرافقة له، بيئة مؤسساتية وقانونية وإجرائية متطورة لإيصال الأطفال مجهولي النسب إلى دور الرعاية المتخصصة اللائقة إنسانياً واجتماعياً، تتمثل هذه الدُّور بـ “بيوت لحن الحياة” التي كانت فيما سبق تؤدي دورها الرعائي بجهود فردية ومجتمعية، ليجعلَ هذا المرسوم عمَلها اليوم مستنداً إلى موادّ وإجراءاتٍ مؤسساتية من خلال الهيئة العامة لـ “بيوت لحن الحياة”، مقرها محافظة ريف دمشق، والتي ستُصبح وفق هذا المرسوم مرجعية رسمية مسؤولة عن رعاية الأطفال مجهولي النسب وضمان حياتهم واحتياجاتهم ونموهم، تساعدها في مهمتها هذه مؤسسات المجتمع الأهلي وجمعياتُه.
يُحدد هذا المرسوم الطُّرق التي تُفضي إلى وصول الطفل مجهول النسب إلى بيوت لحن الحياة، بدءاً من لحظة العثور عليه في مكان ما، ويحدد دور ومسؤولية كل جهة بدءاً من الشخص الذي يعثر عليه إلى أقسام الشرطة فالمشافي حتى يصل إلى بيوت لحن الحياة التي ستقوم باختيار اسم مناسب له، وتنظَّم شهادة ولادة له وتقومَ بتسجيله وفق قانون الأحوال المدنية.يُذكَر أنه في العام 1969 صدر المرسوم رقم (276) ونص على أنه، يعتبر عربياً سورياً مَن وُلد من أبوَين مجهولَين أو من أم معلومة وأب مجهول، ليأتي هذا المرسوم الجديد وينظم عملية الرعاية التي يحتاجُها الأطفال مجهوليّ النّسب.
ظاهرة الأطفال مجهولي النسب هي ظاهرة قديمة موجودة في كل المجتمعات ومنها المجتمع السوري، وتؤكد الإحصائياتُ الرسمية أن العام 2002 كان الأكثر تسجيلاً لحالات مجهولي النسب خلال الفترة الممتدة من العام 2000 حتى 2021. كما تُشير الإحصائيات ذاتها إلى أن متوسط تسجيل حالات مجهولي النسب من الأطفال خلال العام الواحد يبلغ 42 طفل مجهول النسب.
من الطبيعي أن يتمتع مجهولي النسب بحق الحياة و الرعاية الاجتماعية الكاملة و تنشئتهم التنشئة الاجتماعية القويمة وتوفير لهم جميع المتطلبات ليكونوا عناصر فاعلة اجتماعية في المجتمع الذي يعيشون فيه، طبعا هذا في حالة الدولة السليمة المعافاة من أي نزاعات تعاني منها، فالدولة و مؤسساتها معنية برعاية جميع مواطنيها و جعلهم يتمتعون بكافة حقوق الإنسان دون أي تمييز .
أما في سورية فلقد تمت معالجة وضع هذه الشريحة الاجتماعية السابقة لينالوا نصيبهم من الرعاية المجتمعية وتنشئتهم و التمتع بحقوقهم من خلال المرسوم ٢٧٦ لعام ١٩٦٩م فما الذي استجد لتعديله و تغييره؟
في سورية و بعد تفجر ثورة الشعب السوري الوضع أختلف كثيرا، حيث استنجد النظام الطائفي القاتل المجرم بقوى خارجية ولا تمت لسورية بأي صله سوى العزف على الوتر الطائفي والثارات الطائفية التاريخية من تاريخنا السحيق، حيث أدخل الميليشيات الطائفية من لبنان و إيران و العراق و افغانستان و باكستان و غيرها لتكون دعائم ميليشياوية لإجرامه و قتله و اغتصابه للسلطة و البقاء على كرسي الحكم و التسلط على رقاب الشعب السوري..و دخول هؤلاء مع عائلاتهم أو تكوين عائلات جديدة أو من خلال علاقاتهم الجنسية غير المشروعة خلق واقع جديد هو زيادة نسبة مجهولي النسب في سورية و بما فيهم هؤلاء العناصر الميليشياوية التي دخلت خصوصا للقتل و الإجرام في سورية لصالح النظام الطائفي القاتل المجرم و استمراريته و الذي قال رئيسه منذ الايام الأولى للثورة بأن الوطن ليست جواز سفر بل لمن يدافع عنه، و بذلك نفى صفة الوطنية عمن لا يدافع عن كرسيه و أعطاها لمن يدافع عن نظامه و سيطرته و قتله و إجرامه ، لذا استجد بالنسبة للنظام ضرورة معالجة مشكلة هؤلاء القانونية من خلال تجنيسهم و توفير إمكانية تسجيلهم و تجنيسهم و ما يستتبع ذلك من آثار قانونية ومجتمعية وسياسية وسكانية وتغيير ديمغرافي، حيث تم تجنيس مئات الآلاف من هؤلاء و منحهم كامل حقوق المواطن مما جعلهم يتملكون أجزاء كبيرة من سورية ومنها العاصمة دمشق.
و بالعودة لمجهولي النسب فهؤلاء جميعا بالنسبة للشعب السوري مجهولي نسب، و من ينتج عن علاقتهم الجنسية ايضا مجهولي للنسب لذا رأى رأس النظام السوري معالجة وضعهم العام على الرغم من انعكاساته الخطيرة على بنية المجتمع السوري و تركيبته لاحقا و مجمل أنشطة حياته الاجتماعية فأصدر المرسوم رقم ٢ للعام ٢٠٢٣م لذلك، وأقر إنشاء بيوت لحن الحياة كدور رعاية إجتماعية ترعاهم، و هنا أتساءل ما هذه التمثيلية الإنسانية المفرطة بإقامة بيوت لحن الحياة و هو من عزف بكل وحشية و إجرام رصاصا و براميلا و صواريخ قصيرة و بعيدة المدى و غارات جوية و غازات قاتلة و اسلحة كيمياوية ضد الشعب السوري ليقضي على حياتهم و يدمر بيوتهم و قراهم و بلداتهم و مدنهم و يعتقلهم و يهجرهم ؟!!!
و هنا أقول بشكل مختصر بأن هذا المرسوم هو سلاح قانوني مشهر في وجه الشعب السوري ليدخله في مشكلات مستقبلية كثيرة في مختلف نواحي الحياة جاء استكمالا لأعماله العسكرية العنيفة ضده و التي أدت لما نراه من مأسي حلت على رؤوس كل السوريين و عانوا و مازلنا نعاني منها حتى الخلاص من النظام الطائفي القاتل المجرم و جميع ما أرتكب من جرائم ضد الشعب السوري.