قضايا اجتماعية

وفد القضاء الأوروبي في لبنان… مابين تحقيق للعدالة وانتهاك لسيادة القانون!!

وسط تباين وجهات النظر حول أهمية هذه الخطوة ومدى قانونيتها، لا يزال الوفد القضائي الأوروبي عند قراره المتعلق بزيارة لبنان والمشاركة في تحقيقات قد تتعلق بقضايا فساد وبعض ثروات السياسيين هناك.

الوفد الذي من المقرر أن يصل، الاثنين المقبل، إلى بيروت، من ثلاث دول: فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، ومهمته استجواب أشخاص تم استجوابهم سابقا لدى القضاء اللبناني بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه، بحسب تصريحات النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لـ “لبنان 24”.

وقال عويدات إن مهمة الوفد تندرج في إطار المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2003، ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، وانضم لبنان لها في عام 2008، بموجب القانون الرقم 33 الذي صدقه مجلس النواب عام 2008، وبموجب هذا الانضمام بات لبنان من الأعضاء الملزمين بتطبيق هذه المعاهدة.

ويرى البعض أن مشاركة القضاء الأوروبي في هذه التحقيقات مطلب للشارع اللبناني والمودعين الذين فقدوا أموالهم ومن شأنه أن يحدث خرقًا في هذا الملف، فيما يؤكد آخرون أنه انتهاك لسيادة لبنان وللقانون والدستور.

سيادة لبنانية
اعتبر النائب قاسم هاشم، عضو مجلس النواب اللبناني، أن فكرة مشاركة القضاء الأوروبي في التحقيق بملفات فساد داخل لبنان، وإن كانت تحظى باهتمام اللبنانيين وبعض المعنيين، تعني في جوهرها تدخلا في الشأن السيادي اللبناني بامتياز.

وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، التحقيق في هذه الملفات المهمة هو واجب القضاء اللبناني، والأجهزة المختصة والمعنية، خاصة وأن المجلس النيابي أقر كل القوانين التي تتعلق بمكافحة الفساد والفاسدين، والحفاظ على المال المال.

وأوضح: القوانين اللبنانية التي تم إقرارها تحاكي مصلحة الوطن وتحفظ سيادته وقادرة على التعاطي بدقة وموضوعية مع كل الملفات التي تطال الفساد وتبييض الأموال بكل أوجهه.

ويرى النائب اللبناني أن ما يحكم هذا الملف هو حدود السيادة والقوانين اللبنانية والاتفاقيات الدولية مع الدول المتقدمة بهذه القضية، مؤكدًا أن الأيام القادمة وكيفية مقاربتها هي التي ستحكم على أهمية هذه المشاركة وما الذي يمكن أن تكشفه من فتح هذه القضايا.

خطوة مهمة
اعتبر أسامة وهبين الناشط المدني اللبناني، أن هذه الخطوات تأتي نتيجة جهود شخصية من قبل المودعين الذين فقدوا أموالهم في لبنان، حيث ذهب هؤلاء المودعون باتجاه الاتحاد الأوروبي والدول التي يوجد فيها أموال حاكم مصرف لبنان وبعض السياسيين اللبنانيين.

وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، هذا يعد عملًا بدلا عن ضائع، باعتبار أن القضاء اللبناني لم يقم بواجباته القضائية في الداخل، ولم يحاسب المجرمين ومن سرقوا أموال الشعب، وذلك لأن معظمه مرتبط بالقوى السياسية والطبقة الحاكمة الفاسدة، ولا يمكن له محاسبتهم.

ويرى وهبي أن هذه خطوة قد تفتح هوة في جدار ملاحقة الفاسدين والسارقين في لبنان، وربما تفتح الباب أمام ملفات فساد كانت غير معروفة من قبل، وتسلط الأضواء على حكم الفساد في لبنان، والذي مارسته السلطة بالاتفاق والتضامن بين السياسيين وأصحاب المصارف وكل المنظومة الحاكمة.

ولفت أن هذه التحركات وإن كانت مهمة، لكنها ليست بديلة عن قيام قضاء مستقل يمكنه محاسبة كل من ارتكب هذه الجرائم في السلطة الحاكمة، ومخاسبة من هدروا أموال الشعب وتسببوا في كل هذا الانهيار الاقتصادي، وهو أمر مرتبط في النهاية بالإصلاحات التي يجب القيام بها في لبنان.

وأوضح أن كل هذه الإجراءات تقع على عاتق رئيس الجمهورية الجديد بعد انتخابه، إن جاء من خارج المنظومة السياسية، أما لو تم انتخابه من داخلهم وباتفاق فيما ينهم فلن يستطيع أن يفعل أي شيء، فمن جاءوا به لن يسمحوا له بمحاسبتهم وملاحقتهم على هذه الجرائم.

وقبل مدة، تبلغت السلطات اللبنانية من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ عبر كتاب رسمي، أن وفداً قضائياً من هذه الدول سيزور بيروت بين 9 و20 يناير/كانون الثاني المقبل، للبحث في الملفات القضائية المتعلقة بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة المُلاحَق بقضايا تبييض أموال وجرائم مالية في دول أوروبية، بحسب العربية.

ووجه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون سؤالا إلى من وصفهم بـ”من تبقى من شرفاء القضاء اللبناني”. ووفق ما كتبه عون عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فقد سأل عن قدرة “شرفاء القضاء اللبناني” على إعادة هيبة القضاء مرة أخرى.

واعتبر عون أن القضاء اللبناني قد سقط بالفعل، مؤكدًا أن هذا السقوط جعل القضاء الأجنبي يتدخل في الشأن اللبناني، على حد قوله.

وقال: “سقوط القضاء اللبناني فتح الطريق لتدخّل القضاء الأجنبي؛ فهل يستطيع من تبقّى من شرفاء القضاة استعادة الثقة المفقودة واسترجاع هيبة قضائنا؟!”

وكان قطاع كبير من قضاة لبنان قد دخل في “اعتكاف”، منذ شهر أغسطس/ آب الماضي، مضربين عن العمل اعتراضا على تردي أوضاعهم المادية وقصور رواتبهم بعد ارتفاع التضخم وتدهور الليرة اللبنانية.

وأصدر المجلس الأعلى للقضاء، أول أمس الخميس، بيانا دعا فيه القضاة المضربين عن العمل إلى العودة وممارسة عملهم، بالحد الذي “يؤمن استمرارية المرفق العدلي في ممارسة مهامه، وبما يتناسب مع حاجات ووضع كلّ محكمة ودائرة قضائيّة وفقًا للإمكانيّات المتاحة، وذلك في ضوء ما تمّ تحقيقه لتاريخه؛ وما جرت مناقشته في الجمعيّة العموميّة للقضاة العدليّين الّتي انعقدت بتاريخ 28/12/2022”.

وشدد بيان المجلس على أنه “سيواصل متابعة السّعي لتحقيق هذه المطالب، مشدّدًا على ضرورة صون التّضامن القضائي، الّذي كان وسيبقى العامل الجوهري الأساس، لقيام القضاء بدوره ومهامه، في تطبيق القانون وتحقيق العدالة”.