ثقافة

معركة “الحشاشين” الأخيرة!

في مثل هذه الأيام قبل 766 عاما، قام المغول بما يعتبره بعض المؤرخين، العمل المحمود الوحيد في حملاتهم الدموية، ويتمثل ذلك في تدمير حصون “الحشاشين” والقضاء على دولة “الرعب”.

بعد أن غزت جحافل المغول الشرق الأقصى وآسيا الوسطى وروسيا، بدؤوا حملة على إيران والمشرق العربي في عام 1252.

سار المغول عبر شمال إيران، المنطقة التي لم يتم غزوها في ذلك الوقت، بسبب وجود مراكز للإسماعيليين، الطائفة التي تصنف في خانة الخطرين، وكانت مراكز القوى الإسلامية المحيطة تتحين الفرص للتخلص منهم، إلا أن هؤلاء الإسماعيليين لم يتركوا أي مجال أمام خصومهم، وكانوا أول المبادرين بقتل خصومهم!

زحف هولاكو بجيشه أولا مستهدفا الإسماعيليين الذين عرفوا أيضا بـ “الحشاشين”، وأصبحوا مصدرا لغويا ورمزا معرفيا للقتل والاغتيال والرعب، بما في ذلك باللغة الإنجليزية.

هاجم المغول حصون “الحشاشين” وقلاعهم في مازانديران وميمونديز وألموتن التي تبعد عن مدينة طهران بمسافة 100 كيلومتر.

تولى هولاكو بنفسه حصار “عش العقاب” في قلعة ألموت الشهيرة في 19 نوفمبر 1256. وكان يحكم الطائفة في ذلك الحين، ركن الدين خورشاه.

استسلم حاكم الإسماعيليين ومن معه يوم 20 ديسمبر، وأرسله هولاكو في الأغلال إلى شقيقه الزعيم منكو خان في كراكورم عاصمتهم، إلا أن خورشاه لم يصل إلى هناك وقتل في الطريق.

“الحشاشون”، طائفة مرعبة، أقضت مضجع سلاطين السلاجقة في القرن الثاني عشر وهددت الخلافة ذاتها، ما تسبب في إحباط المعنويات والانهيار في جميع أنحاء المنطقة الإسلامية في القارة الآسيوية، وبالقضاء عليها، أسدى المغول من دون قصد، خدمة كبيرة للمنطقة.

وتزعم الروايات أن “الحشاشين” المدربين بطريقة استثنائية كان لديهم في هذه المنطقة 360 حصنا، يخرجون منها لبث الرعب في كل مكان.

ظهر “الإسماعيليون” كقوة حقيقية مرعبة بنهاية القرن الحادي عشر، مع تولي حسن الصباح الذي عرف باسم “شيخ الجبل” زعامتهم. وفي عام 1080، استقر هو واتباعه في قلعة ألموت المنيعة في غرب فارس، ثم تمدد هؤلاء تدريجيا في المناطق المحيطة، وظهرت دولة إسماعيلية حقيقية على حدود إيران الحديثة وسوريا ولبنان.

كان “شيخ الجبل” شديد الذكاء والقسوة، وكان يعرف أنه وأنصاره لا يستطيع الوقوف ضد الدول المجاورة القوية في قتال مفتوح، فابتكر عقيدة عسكرية جديدة تماما، درب بموجبها انتحاريين قتلة تدريبا خاصا للتخلص من أخطر أعدائه، وزرع الرعب في صفوفهم.

وكان على كل من يرغب في الانضمام إلى صفوف “الحشاشين ” الخضوع لعملية اختيار صارمة، وكانت تجري عملية فحص دقيقة لكل من أراد الانضمام إليهم، حيث أجبر المتقدمون على الانتظار في العراء خارج البوابات لعدة أيام، ولم يتم إطعامهم وكانوا يتعرضون للسخرية وحتى الضرب، بهدف التأكد من جلدهم وإخلاصهم.

وبعد ذلك تبدأ عملية منظمة لغسل أدمغتهم، وتحويلهم إلى آلات للقتل، مقابل وعود بالجنة الأبدية. وكان عليهم كي ينالوا الجنة أن ينفذوا أوامر القائد الصباح ويموتوا بكل طيبة خاطر من أجله!

وعلاوة على غسل الادمغة، كان حسن الصباح واتباعه يدربون هؤلاء “الانتحاريين” الشباب على الاغتيال واستعمال الخناجر والمصارعة وفنون التخفي، والجلوس بلا حراك لساعات طوال.

ويقول المؤرخون أن “شيخ الجبل” وأنصاره كانوا يستعينون في غسل أدمغة “القتلة” الجدد بإعطائهم مواد مخدرة، تغيبهم وتبعدهم عن التفكير، وتجعل منهم أيضا قتلة محترفين بقلوب قدت من صخر، وهذا ما دفع إلى تسميتهم بـ”الحشاشين”.