أدب

كلنا ينتظر صور إسرافيل

بقلم: عبد الكريم محمد

كانت اللحظات بكراً يكسوها العفاف، كما العفة.. وكان الخجل بادياً على تلك الشمس التي بدأت تسحب بجدائلها الذهبية عند المساء، بخجل كما خجل العذارى.. وصوت العصافير القادمة من البعيد يفض بكارة الصمت المريب..

وصوت الطرح المولود حديثاً، يقض مضجع العابرين من هناك، يحملون زوادة صمتهم المريب.. وانفعالاتهم التي تبحث عن كسرة من خبز علها تسد رمقهم.. بينما كان صوت الطرح يتعالى صراخاً، ليمزق صمت الأشياء جميعها، بحثاً عن مرضعة تعشق الأمومة حدّ الهيام..

كان اليتم والجوع والعوز والفاقة عنواناً لتلك اللحظات، المختبئة في بيوت تشبه مقامات الأولياء والصالحين، المبنية من الطين على طرقات القوافل.. ليتبارك بها الركب المسافر من خراسان إلى الشام الشريف.. يحمل معه العود والعنبر والبخور.

كان الهمس وأنين الأحياء يتأخى مع أضواء القناديل المختبئة بالزوايا، وكأنها ضيوفاً على عتمة الليل الموحش، ليسود بعدها الصمت، وبعض وقع أصوات أقدام المارة.. وكأنما الكل يعيش لحظة انتظار قدوم إسرافيل، لينُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يرتحلون إلى الديار التي كانت دياراً..

وكأنما اختزلت الكلمات بكلمة واحدة، وابتلعت قواميس اللغات كل المعاني، لتحزم بكلمة “عيدنا يوم عودتنا”، اللغة من ألفها إلى يائها.. أملاً بالوصول إلى النشوة، التي ما تزال حلماً بعد رهط من السنين.