أدب مجتمع

بلا مبالغة كلنا مثلك.. لكننا لا نقوى على رسم الكلام شعراً

إعداد: عبير الشهابي

بلا مبالغة.. كل ما فلّيت مواقع التواصل، لأفاجئ بحجم من رحلوا، وهم بالأمس كانت أصواتهم وأحلامهم تملأ الكون ضجيجاً وناطحات سحاب من أحلام، أنذكر قبل واجب العزاء، ذاك الشاعر الذي رثى نفسه.. أنذكر الشاعر مالك بن الريب الذي انتمى رغماً عنه وبلا استئذان، كما نحن جميعاً جئنا من لحظة فرح وصرخة حياة أو ولادة على هذه الدنيا، لبني مازن بن عمرو بن تميم، وكنيته أبو عقبة.

كان شاباً شجاعاً فتاكاً، أو قل صعلوكاً، لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه، متوسداً رمل اللحظات المارقة دونما سابق إنذار.. ولعلنا لا نغمز من قناة ذاك الرجل، عندما نقول: كان قاطعاً للطريق مع ثلاثةٍ من أصدقائه، وأشهرهم شظاظ الضبي الذي قالت عنه العرب ألص من شظاظ.

في يومٍ من الأيام مرَّ عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجهٌ لإخماد تمردٍ بأرض خُراسان، فتحدث مع مالك إذا كان يرغب بمشاركتهم بدلًا من قطع الطريق، فاستجاب مالك له وذهب معه وأبلى بلاءاً حسناً..

ولكن أثناء عودته وبينما هم في طريق العودة، مرض مرضاً شديداً أو يقال أنَّ أفعًى قد لسعته وهو في القيلولة، فسرى السم في عروقه وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي فيها نفسه، وصارت قصيدته تعرف ببكائية مالك بن الريب التميمي.

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا

فَلَيتَ الغَضا لَم يَقطَعِ الرَكبُ عرضه وَلَيتَ الغَضا ماشى الرِّكابَ لَيالِيا

وَلَيتَ الغَضا يَومَ اِرتَحلنا تَقاصَرَت بِطولِ الغَضا حَتّى أَرى مَن وَرائِيا

لَقَد كانَ في أَهلِ الغَضا لَو دَنا الغَضا مَزارٌ وَلَكِنَّ الغَضا لَيسَ دانِيا

أَلَم تَرَني بِعتُ الضَلالَةَ بِالهُدى وَأَصبَحتُ في جَيشِ اِبنِ عَفّانَ غازِيا

وَأَصبَحتُ في أَرضِ الأَعاديِّ بَعدَما أرانِيَ عَن أَرضِ الأَعادِيِّ نائِيا

دَعاني الهَوى مِن أَهلِ أَودَ وَصُحبَتي بِذي الطَّبَسَينِ فَالتَفَتُّ وَرائِيا

أَجَبتُ الهَوى لَمّا دَعاني بِزَفرَةٍ تَقَنَّعتُ مِنها أَن أُلامَ رِدائِيا

أَقولُ وَقَد حالَت قُرى الكُردِ بَينَنا جَزى اللَّهُ عَمراً خَيرَ ما كانَ جازِيا

إِن اللَّهَ يُرجِعني مِنَ الغَزوِ لا أَكُن وَإِن قَلَّ مالي طالِباً ما وَرائِيا

تَقولُ اِبنَتي لَمّا رَأَت وَشكَ رحلَتي سفارُكَ هَذا تارِكي لا أَبالِيا

لَعَمرِي لَئِن غالَت خُراسانُ هامَتي لَقَد كُنتُ عَن بابَي خُراسانَ نائِيا

فَإِن أَنجُ مِن بابَي خُراسانَ لا أَعُد إِلَيها وَإِن مَنَّيتُموني الأَمانِيا

فَللَّهِ درِّي يَومَ أتركُ طائِعاً بَنِيَّ بِأَعلى الرَقمَتَينِ وَمالِيا

وَدَرُّ الظباءِ السانِحاتِ عَشِيَّةً يُخَبِّرنَ أَنّي هالِكٌ مِن وَرائِيا

وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللَذين كِلاهُما عَلَيَّ شَفيقٌ ناصِحٌ لَو نَهانِيا

وَدَرُّ الرِّجالِ الشاهِدينَ تَفتكي بِأَمرِيَ أَلا يقصِروا مِن وَثاقِيا

وَدَرُّ الهَوى مِن حَيثُ يَدعو صَحابَتي وَدَرُّ لُجاجَتي وَدَرُّ اِنتِهائِيا

تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد سِوى السَّيفِ وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا

وَأَشقَرَ مَحبوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ إِلى الماءِ لَم يَترُك لَهُ المَوتُ ساقِيا

يُقادُ ذَليلاً بَعدَما ماتَ رَبُّهُ يُباعُ بِبَخسٍ بَعدَما كانَ غالِيا

وَلَكِن بِأَكنافِ السُمَينَةِ نسوَةٌ عَزيزٌ عَلَيهِنَّ العيشَةَ ما بِيا

صَريعٌ عَلى أَيدي الرِجالِ بِقَفرَةٍ يُسَوُّونَ لحدي حَيثُ حُمَّ قَضائِيا

وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا

أَقولُ لأَصحابي اِرفَعوني فَإِنَّهُ يَقَرُّ بِعَيني أَن سُهَيلٌ بَدا لِيا

فَيا صاحِبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا بِرابِيَةٍ إِنّي مُقيمٌ لَيالِيا

أقيما عَلَيَّ اليَومَ أَو بَعضَ لَيلَةٍ وَلا تُعجلاني قَد تَبَيَّنَ شانِيا

وَقوما إِذا ما اِستُلَّ روحي فَهَيِّئا لِيَ السّدرَ وَالأَكفانَ عِندَ فَنائِيا

وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي وَرُدَّا عَلى عَينَيَّ فَضلَ ردائِيا

وَلا تَحسداني بارَكَ اللَّهُ فيكُما مِنَ الأَرضِ ذاتَ العَرضِ أَن توسِعا لِيا

خُذاني فَجُرّاني بِثَوبي إِلَيكُما فَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ صَعباً قيادِيا

وَقَد كُنتُ عَطَّافاً إِذا الخَيلُ أَدبَرَت سَريعاً لَدى الهَيجا إِلى مَن دَعانِيا

وَقَد كُنتُ صَبَّاراً عَلى القرنِ في الوَغى ثَقيلاً عَلى الأَعداءِ عَضباً لِسانِيا

وَقَد كُنتُ مَحموداً لَدى الزادِ وَالقِرى وَعَن شَتمِيَ اِبنَ العَمِّ وَالجارَ وانِيا

فَطَوراً تَراني في ظلالٍ وَنِعمَةٍ وَطَوراً تَراني وَالعِتاقُ رِكابِيا

وَيَوماً تَراني في رحىً مُستَديرَةٍ تُخَرِّقُ أَطرافُ الرِماحِ ثِيابِيا

وَقوما عَلى بِئرِ السَّمينَةِ أسمعا بِها الغُرَّ وَالبيضَ الحِسانَ الروانِيا

بِأَنَّكُما خَلَّفتُماني بِقَفرَةٍ تُهيلُ عَلَيَّ الريحُ فيها السَّوافِيا

وَلا تَنسَيا عَهدي خَليلَيَّ بَعدَما تَقطعُ أَوصالي وَتَبلى عِظامِيا

وَلَن يَعدَمَ الوالونَ بَثّاً يُصيبُهُم وَلَن يَعدَمَ الميراثَ مِنّي المَوالِيا

يَقولونَ لا تَبعُد وَهُم يَدفِنونَني وَأَينَ مَكانُ البُعدِ إِلا مَكانِيا

غَداةَ غَدٍ يا لَهفَ نَفسي عَلى غَدٍ إِذا أدلجوا عَنّي وَأَصبَحتُ ثاوِيا

وَأَصبَحَ مالي مِن طَريفٍ وَتالِدٍ لِغَيري وَكانَ المالُ بِالأَمسِ مالِيا

فَيا لَيتَ شِعري هَل تَغَيَّرَتِ الرَّحا رحا المُثلِ أَو أَمسَت بِفَلجٍ كَما هِيا

إِذا الحَيُّ حَلَّوها جَميعاً وَأنزلوا بِها بَقَراً حُمَّ العُيونِ سَواجِيا

رَعَينَ وَقَد كادَ الظَّلامُ يُجِنُّها يَسفنَ الخُزامى مَرَّةً وَالأَقاحِيا

وَهَل أَترُك العيسَ العَوالي بِالضُحى بِرُكبانِها تَعلو المِتانَ الفَيافِيا

إِذا عُصَبُ الرُكبانِ بَينَ عُنَيزَةٍ وَبولانَ عاجُوا المُبقِياتِ النَواجِيا

فَيا لَيتَ شِعري هَل بَكَت أُمُّ مالِكٍ كَما كُنتُ لَو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا

إِذا متُّ فَاِعتادي القُبورَ وَسَلِّمي عَلى الرَمسِ أُسقيتِ السَحابَ الغَوادِيا

عَلى جَدَثٍ قَد جَرَّتِ الريحُ فَوقَهُ تُراباً كَسَحقِ المَرنُبانِيِّ هابِيا

رَهينَةُ أَحجارٍ وَتُربٍ تَضَمَّنَت قَرارَتُها مِنّي العِظامَ البَوالِيا

فَيا صاحِبا إِمّا عَرضتَ فَبلغن بَني مازِنٍ وَالرَّيبَ أَن لا تَلاقِيا

وَعَرِّ قَلوصي في الرِّكابِ فَإِنَّها سَتَفلِقُ أَكباداً وَتبكي بَواكِيا

وَأَبصَرتُ نار المازِنِيَّاتِ موهِناً بِعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرفُ رانِيا

بِعودِ النّجوج أَضاءَ وَقودُها مَهاً في ظِلالِ السِّدرِ حوراً جَوازِيا

غَريبٌ بَعيدُ الدارِ ثاوٍ بِقَفرَةٍ يَدَ الدَّهرِ مَعروفاً بِأَن لا تَدانِيا

تَحَمَّلَ أَصحابي عَشاءً وَغادَروا أَخا ثِقَةٍ في عَرصَةِ الدارِ ثاوِيا

أُقَلِّبُ طَرفي حَولَ رَحلي فَلا أَرى بِهِ مِن عُيونِ المُؤنِساتِ مُراعِيا

وَبِالرَّملِ مِنّا نسوَةٌ لَو شَهِدنَني بَكَينَ وَفَدَّينَ الطَبيبَ المُداوِيا

وَما كانَ عَهدُ الرَّملِ عِندي وَأَهلِهِ ذَميماً وَلا وَدَّعتُ بِالرَّملِ قالِيا

فَمِنهُنَّ أُمّي وَاِبنَتايَ وَخالتي وَباكِيَةٌ أُخرى تهيجُ البَواكِيا