
كثير من المتخصصين ينطلق في دراسته للتوجهات الباكستانية عامة، باعتبارها الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة دون غيرها، ويضعها في حيز الرعاية الأمريكية القصوى.. دون النظر ولو قليلاً للعلاقات الباكستانية مع الصين، التي ترتكزإلى ما يسمى بالتحالف الناجز والقوي القائم على التعاون الاقتصادي والتجاري والاستراتيجي.
ولا غرو إذا ما قلنا أن العلاقات الثنائية المتطورة، بما في ذلك تأثير مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والاتجاهات التجارية الرئيسية، والاستثمارات الصينية في باكستان، وآخر الشراكات الدبلوماسية التي تُشكل مستقبلهما الثنائي، بفعل تلاقح المصالح الجيوستراتيجية على أقل تقدير.
حيث تربط الصين وباكستان علاقات ثنائية راسخة ومتينة. وتقوم شراكتهما الشاملة على الثقة المتبادلة والتعاون الاقتصادي والاستراتيجي، وقد جعلت الصين حجر الزاوية في السياسة الخارجية الباكستانية.
وعلى مر السنين، أي منذ نهاية خمسينيات وستينيات القرن الماضي، برزت الصين كأكبر شريك تجاري لباكستان ومصدر رئيسي للاستثمارات، لا سيما في قطاعات البنية التحتية والطاقة والدفاع، في إطار مبادرات مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
بالمقابل تتمتع باكستان بأهمية استراتيجية بالغة بالنسبة للصين، ويعود ذلك أساسًا إلى موقعها الجغرافي. وبصفتها بوابةً إلى بحر العرب عبر ميناء جوادر، تلعب باكستان دورًا محوريًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ تُسهّل التجارة والتواصل. تُعزز هذه الأهمية الجيواستراتيجية التزام الصين بشراكتها مع باكستان، مما يضمن تعاونًا مستدامًا في قطاعات متعددة.
في فبراير 2025، قام الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بزيارة رسمية إلى الصين، مما عزّز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المتينة بين البلدين. وخلال الزيارة، ركّز الجانبان على توسيع التجارة والاستثمار، وتسريع وتيرة مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الرئيسية، وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني. كما عُقدت مناقشات حول تعزيز التعاون في مجالي التكنولوجيا والتعليم، وتوقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار الرقمي والتبادل الأكاديمي.
العلاقات الدبلوماسية بين الصين وباكستان
أقامت الصين وباكستان علاقاتهما الدبلوماسية في 21 مايو/أيار 1951، ومنذ ذلك الحين، طورتا شراكة متينة قائمة على التعاون السياسي والاقتصادي والاستراتيجي. في البداية، كانت التفاعلات محدودة، ولكن بحلول منتصف الخمسينيات، ازدادت التبادلات رفيعة المستوى، مما عزز العلاقات الثنائية. وشهد عام 1963 إنجازًا هامًا عندما وقّع البلدان اتفاقية حدودية، أوضحت الحدود الإقليمية وعززت العلاقات الدبلوماسية.
خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وسّعت الصين وباكستان تعاونهما في مجالات الدفاع والتجارة والبنية التحتية، حيث دعمت باكستان الصين في مختلف القضايا الدولية. في عام ١٩٩٦، أقامت الدولتان “شراكة تعاونية شاملة”، مما عزّز روابطهما.
في القرن الحادي والعشرين، نمت علاقتهما من خلال التعاون الاقتصادي، لا سيما في إطار مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الذي أُطلق عام ٢٠١٥ كجزء من مبادرة الحزام والطريق. وقد ساهم هذا المشروع في تطوير البنية التحتية والطاقة والتجارة في باكستان.
وقد عززت الزيارات رفيعة المستوى والاتفاقيات المنتظمة الشراكة، حيث يواصل الجانبان التعاون في مجالات مثل الدفاع والأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية. وتظل الصين أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لباكستان ومستثمرًا رئيسيًا فيها، مما يجعل علاقتهما جانبًا مهمًا في الديناميكيات الإقليمية في جنوب آسيا.
التجارة الثنائية بين الصين وباكستان
ناهيك أن الصين وبلا منازع، هي أكبر شريك تجاري وأكبر مصدر للواردات لباكستان. ووفقًا لبيانات الجمارك الصينية، بلغ إجمالي التجارة الثنائية في السلع بين الصين وباكستان 23.1 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بزيادة قدرها 11.1% عن العام السابق. ومن هذا المبلغ، ارتفعت صادرات الصين إلى باكستان بنسبة 17% على أساس سنوي لتصل إلى 20.2 مليار دولار أمريكي، بينما انخفضت الواردات بنسبة 18.2% لتصل إلى 2.8 مليار دولار أمريكي.
تشكل الآلات والمعدات الكهربائية أبرز صادرات الصين إلى باكستان في عام 2024، بقيمة صادرات بلغت حوالي 5.6 مليار دولار أمريكي. وتمثل أجهزة أشباه الموصلات حوالي 35% من هذه الصادرات، بينما تشكل أجهزة الهواتف، بما فيها الهواتف الذكية، 27%.
كما صدرت الصين إلى باكستان ما قيمته 2.4 مليار دولار من المفاعلات النووية والغلايات والآلات والأجهزة الميكانيكية، وما قيمته 1.3 مليار دولار من منتجات الحديد والصلب.