عربي

“قسد” والخيارات الصعبة

رغم تأكيد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن حكومته تعهدت بضمان حقوق الأكراد في الدستور الجديد، إلا أنه شدد على أن وجود قوات سوريا الديمقراطية “قسد” “لم يعد له مبرر”.

وعليه تبدو “قسد” في وضع صعب، فالمفاوضات مع دمشق بشأن الاندماج في الجيش السوري والحفاظ على الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية للأكراد السوريين ومعهم بقية الأقليات لم تتراخى بعد إلى نهاياتها المريحة ونقاط الخلاف، رغم تقدم النقاشات في بعض العناوين، لا تزال تشي بإمكانية العودة إلى المربع الأول مع تربص تركي بـ”قسد” يلوح بعملية عسكرية ضدها ولا مبالاة أمريكية يقودها مزاج متقلب للرئيس دونالد ترامب.

وخيارات “قسد” تبدو محدودة إلا أن يغير الغرب سياسته تجاه سوريا في الوقت الضائع، ويضع خطة بديلة يكون عنوانها دور جديد لقوات سوريا الديمقراطية، يخدم مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى.

خيارات قسد:

أكد محلل سياسي سوري في حديثه لـ “RT” أن كل خيار متاح اليوم أمام “قسد” في التعامل مع الوضع الجديد في سوريا ينطوي على مخاطر جمة بحيث يصبح عملية مفاضلة مرة بين السيئ و الأسوأ.

ووفق المحلل السياسي السوري فإن الخيار الأول: هو الإبقاء على الوضع الراهن المتمثل في القتال دون الحكم الذاتي الذي دفعت “قسد” لأجل الوصول إليه ثمنا باهظا تمثل في قتال تنظيم “داعش” والفصائل الموالية لتركيا والتسابق إلى جغرافيته مع الجيش السوري المنحل مع اشتباكات محدودة معه، مشيرا إلى أن هذا الخيار قد يفتح باب الإشتباك على مصراعيه مع القوات الحكومية التي لن تتردد أنقرة في إسنادها ، هذا إن لم يقم الجيش التركي نفسه بشن عملية عسكرية جديدة ضد” قسد” وقضم المزيد من الأراضي وضمها إلى مناطق سيطرته الآخرى في الشمال والشمال الشرقي من سوريا.

وشكك المحلل السياسي السوري في نجاح “قسد” بحسم هذه المعركة بنفسها أو حتى صد الهجوم المرتقب عليها إذا لم تنجد بدعم عسكري أمريكي أو قيام واشنطن بإشهار الفيتو أمام أنقرة وبالتالي أمام دمشق في حين أن ترامب يبيع ويشتري وفق مصالحه التي قد لا تكون اليوم مع قوات سوريا الديمقراطية، وخيارات الانسحاب الأمريكي من سوريا شأنها شأن البقاء والتعزيز لا تزال قائمة بنسب متقاربة وفقا لتصريحات أمريكية رسمية.

في حين أن خيارأ كهذا قد يدمر البنية التحتية لـ”قسد” ويشيع حالة من الخوف والقلق بين المواطنين الذين عاشوا نوعا من الأمان النسبي في مناطق سيطرتها على مدى سنوات الأزمة.

الخيار الثاني: يتمثل في سعي قوات سوريا الديمقراطية في البحث عن حليف ينوب عن واشنطن في دعمها بحال قررت هذه الأخيرة غسل يدها من دعم الأكراد وإذ تبدو كل من روسيا وإيران مرشحتان نظريا للعب هذا الدور فإن الظروف على أرض الواقع لا تعزز هذا الخيار أبدا بل تضربه في مقتل، لأنه وفق المحلل السياسي يبدو مستبعدا للغاية مع فتح باب المفاوضات ما بين موسكو ودمشق بشأن بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا وإرسال دمشق رساىل مطمئنة بهذا الشأن والخلاف العقدي بين إيران بما تحمله من إرث ديني والأكراد الذين مايزوا نفسهم عن بقية السوريين لجهة العرق والسلوك العلماني الذي يغيب الدين عن كثير من القوانين والأنظمة داخل مناطق سيطرة ” قسد”.

فضلا عن أن الرسائل غير المباشرة بين دمشق وطهران لا تزال قائمة وقد تأخذ طابعا أكثر جدية مع الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السوري إلى بغداد ( تم تأجيل الزيارة لأسباب أمنية) التي تربطها بطهران علاقة دافئة وهي لن تتردد في الدخول على خط الوساطة بين البلدين إذا ما استشعرت رغبتهما في ذلك وهو أمر بدأت إرهاصاته بالتشكل مع تصريح الرئيس السوري أحمد الشرع، بأن حكومته لا تستطيع أن تتجاهل دولة كبيرة بحجم إيران شرط عدم تدخلها في شؤون بلاده الداخلية وما قابله من رد دبلوماسي إيراني لم يخرج عن سياق التهدئة.

ويؤكد المحلل السياسي السوري أن الخيار الثالث: أمام ” قسد” يبدو الأكثر ترجيح رغم أنه سيبدد الكثير من المنجزات التي أهرقت لأجلها دماء مقاتليها ويتمثل في الدخول في عملية تفاوض واسعة وشاملة مع الحكومة السورية الجديدة وهو أمر سيفضي بالضرورة إلى التخلي عن حلم الحكم الذاتي مقابل ضمانات بحقوق ثقافية للمكون الكردي وانخراط أوسع في الحياة السياسية ضمن سوريا موحدة حيث يبدو هذا الخيار مثاليا إلى حد كبير ويجنب البلاد جولة جديدة من الاقتتال الداخلي.

وتشير تقارير أمريكية إلى أن واشنطن ساهمت في تسهيل المفاوضات بين دمشق و “قسد ” عبر ضباط أمريكيين زاروا العاصمة السورية مؤخرا وحضروا اجتماعات عالية المستوى بين الجانبين في قاعدة الضمير الجوية قرب العاصمة دمشق، والتي أشيع أنها شهدت لقاء بين القيادي في” قسد ” مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع قبل أن يرتقي إلى هذا المنصب.

في حين تبدو الأمور وفق هذه التقارير مرشحة للمضي قدما في بلورة رؤية نهائية تراعي إصرار دمشق على استعادة شمال شرق البلاد حيث منابع الثروة النفطية والزراعية الرئيسية وقد بدأت “قسد ” بتوريد النفط من شمال شرقي البلاد إلى دمشق في خطوة تم الإعلان عنها للمرة الأولى مساء الأمس السبت كما تأخذ بعين الإعتبار “المظلومية التاريخية” للمكون الكردي الذي اتفقت كل دول الجوار على طمس هويته الثقافية قبل أن تغير السياسة في العقدين الأخيرين ما أبرمته السياسة نفسها قبل ذلك لقرون طويلة.

رسائل أوجلان لـ” قسد”:

من جانبه علق محلل سياسي سوري كردي في حديثه لـ “RT” على قيام زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا منذ العام 1998 بإرسال رسائل سياسية في عدة اتجاهات وتخصيصه قوات سوريا الديمقراطية بجزء منها.

وأشار المحلل السياسي السوري الكردي إلى أن رمزية أوجلان بالنسبة للأكراد تسمح له بإسداء النصح وتوجيه البوصلة مشيرا إلى أنه يطمح من وراء هذه الرسائل إلى تحفيز أبناء جلدته من الكراد على التفاهم مع الشركاء في الوطن في التوصل إلى حالة من اللامركزية الإدارية..

بالإضافة إلى عقد تفاهمات توقف الكفاح المسلح ضد أنقرة، وصولا إلى انخراط الأكراد السوريين في الدولة بشكل مباشر وفاعل مشيرا إلى أن ” قسد” تتقاطع مع أوجلان في هذه النظرة الثلاثية الأبعاد.

ولفت المحلل السياسي في حديثه إلى أن قوات سوريا الديمقراطية ليست كردية بالمطلق وكذلك فإن الأكراد فيها ليسوا جميعهم من حزب العمال الكردستاني حيث يشكل هذان مجتمعين حوالي أربعون بالمئة من عناصرها في حين أن العشائر العربية التي عاشت تاريخيا مساكنة صعبة مع الأكراد في الجزيرة السورية قبل الأزمة وخلالها، يمكن أن تنتفض عليهم لأسباب قومية في أي وقت خصوصا إذا ما رغبت الحكومة الجديدة في دمشق باللعب على هذا الوتر..

لذلك فإن القرار في “قسد” قد لا يكون للأكراد وحدهم ولا حتى لأوجلان، بيد أن من المهم الإشارة إلى وجود نوع من تقاطع الأفكار حول مشروع لا مركزية إدارية و جعل قوات سوريا الديمقراطية جزء من التركيبة العسكرية في الدولة السورية.

وأن يكون هناك حفظ لحقوق المكونات على مختلف تنوعاتها العرقية والدينية إضافة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية كانت قد أعلنت استعدادها لإعادة المقاتلين الأجانب من حزب العمال الكردستاني، إلى المناطق التي جاؤوا منها في جبال قنديل وهو أمر قد يتجاوز ما طلبه أوجلان منها.

وختم المحلل السياسي الكردي السوري حديثه إلى موقعنا بالإشارة إلى أن “قسد” تنظر إلى نفسها بأنها لا تمثل حزب العمال الكردستاني ولا حتى الأكراد بل تمثل المكونات الموجودة في الجزيرة السورية على اختلاف تنوعها من سريان وكلدان وآشوريين وعرب مسلمين ومسيحيين إضافة إلى الإيزيديين المتواجدين في هذه المنطقة.

فضلا عن وجود لازمة في خطاب قادة “قسد” تؤكد أنها لا تسعى إلى مواجهة تركيا بل تسعى إلى الحفاظ على الإدارة الذاتية وحقوق المكونات التي تعيش على هذه الجغرافيا.

اترك تعليقاً