ظهرت تجليات فكرة “سوبرمان” التي برزت نهاية القرن التاسع عشر في كتابات الفيلسوف فريدريك نيتشه في أكثر من بلد، في الولايات المتحدة جرت محاولات حقيقية لصنع مجتمع “سوبرمان”.
فكرة “سوبرمان” كانت تجسيدا لـ “التفوق الأبيض”. الولايات المتحدة شهدت مطلع القرن العشرين موجة ضد ممثلي الأجناس والجماعات العرقية الأخرى وصلت إلى درجة عالية من التوتر.
البيض، الأنجلوساكسون الذين كانوا يشكلون ما نسبته 7 بالمئة فقط من سكان الولايات المتحدة لم يكونوا راضين عن المساواة بين جميع فئات سكان الولايات المتحدة.
النخبة الاجتماعية والسياسية الأنجلوسكسونية في ذلك الوقت بما في ذلك ثيودور روزفلت، الرئيس الأمريكي السادس والعشرين، كانوا قلقين جدا مما اعتقد أنه التأثير السلبي على تطور أمريكا من قبل المهاجرين ذوي المستويات الفكرية المنخفضة.
صديق مقرب من روزفلت وهو ثري يدعى ماديسون غرانت كان نشر في عام 1916 كتابا بعنوان “نهاية السباق العظيم”، روج فيه لفكرة تقول إن شعوب الشمال أكثر اكتمالا من جميع الشعوب الأخرى بما في ذلك الأوروبيين. بهدف الحفاظ على “التراث الشمالي الثمين” للولايات المتحدة، أطلق غرانت حملة لتقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة بالنسبة للأعراق غير الاسكندنافية. ارتبط هذا التوجه بـ”علم تحسين النسل العنصري”.
في هذا السياق، تم تمرير أول قانون بشأن “التعقيم الإلزامي” لذوي العقليات الضعيفة في ولاية إنديانا، وقنن بذلك تعقيم الاشخاص الذين يعدون “مجرمين وأغبياء وبلهاء ومغتصبين”. هذا القانون لم يتم إلغاؤه إلا في عام 1974.
بعد ولاية إنديانا، تم اعتماد هذا القانون في 30 ولاية أمريكية، وجرى بحلول عام 1941 تعقيم عشرات الآلاف من الأشخاص في الولايات المتحدة وفقا له. في كاليفورنيا وحدها تم إجراء 20000 عملية منذ هذا النوع.
بحلول عام 1938، أجازت 33 ولاية أمريكية التعقيم القسري للنساء اللاتي يلاقين صعوبات في التعلم، كما أصدرت 29 ولاية أمريكية قوانين تعقيم إلزامية تطال الأشخاص الذين يعتقد أنهم مصابون بأمراض وراثية. عمليا سمحت هذه القوانين لحكومات الولايات الأمريكية بتحديد من يحق له ومن لا يحق له إنجاب الأطفال.
في الدفاع عن هذه القوانين، يقول أوليفر ويندل هولمز “1841 -1935″، وهو محام ومشرع أمريكي وعمل فترة طويلة في المحكمة العليا الأمريكية: ” سيكون من الأفضل للعالم أجمع، بدلا من انتظار ولادة نسل جديد منحط قادر فقط على ارتكاب الجرائم أو الحمل الحر مدى الحياة بسبب الخرف، أن يمنع المجتمع إنجاب هؤلاء الأشخاص… ثلاثة أجيال من البلهاء كافية”.
يزيد على ذلك ماديسون غرانت “1865 – 1937″، وهو محام كان اشتهر بنشاطه في مجال تحسين النسل بتأكيده: ” أن الطريقة العملية الواعدة أكثر بالتحسين العرقي في الظروف الحالية، هي القضاء على الممثلين الأقل رغبة للأمة من خلال حرمانهم من فرصة ترك أبناء. يدرك المربون جيدا أنه يمكن تغيير لون قطيع البقر عن طريق إعدام الأفراد ذوي اللون غير المرغوب فيه باستمرار، وهو ما تؤكده بالطبع أمثلة أخرى. لذلك لم يتبق عمليا أي خروف أسود، لأن الحيوانات من هذا اللون قد دمرت بعناية من جيل إلى جيل”.
الممارسة الواسعة النطاق لتعقيم الأشخاص “غير المناسبين” لإنجاب الأطفال في الولايات المتحدة استمرت حتى منتصف عام 1960 تقريبا، حين تم جمع عدد كبير من الأصوات ضد تحسين النسل. مع ذلك، في بعض الولايات استمرت هذه الممارسات. في ولاية مونتانا، أجريت عمليات التعقيم ضد الإنجاب حتى عام 1972، وفي نورث كارولينا وإنديانا على التوالي حتى 1973 و1974، وفي فرجينيا وأوريغون إلى 1979 و1983.
تعرض في المجموع ما لا يقل عن 60 ألف شخص في الولايات المتحدة للتدخل الجراحي المُبرر بعلم تحسين النسل في القرن العشرين. في الغالب جرى تطبيق قطع ما يعرف بالقناة الدافقة لدى الرجال، فيما خضعت النساء لاستئصال البوق أو ربط أو استئصال قناتي فالوب وأحيانا استئصال الرحم. في حالات نادرة أخرى، حرم الضحايا من الغدد الجنسية تمامان حيث تم إخصاء الرجال، وخضعت النساء لاستئصال المبيض.
بنهاية المطاف، أقر على المستوى العالمي بعدم أخلاقية ممارسات التعقيم القسري بذريعة حماية المجتمع من “الجينات الضارة”. هذه الممارسة التي لم تكن مقتصرة على الولايات المتحدة، اعتذرت عنها للضحايا السلطات في أكثر من بلد. أما عمليات التعقيم ضد الإنجاب فلا تزال تُجرى ولكن بطلب من المريض نفسه أو بتأثير مؤشرات طبية محددة.