سياسة

استراحة المحارب الأمريكية.. مقدمة لتثبيت أركان الطغم العسكرية

بقلم: عبد الكريم محمد

بعيداً عن التيئيس والاستنسابية في المواقف.. لا بد من تبيان الحقائق الدامغة، أن صانع السياسية، أو كما يقال الحكومة العميقة في  الولايات المتحدة، منذ وقت مبكر قد اتخذت قراراً لا عودة عنه، بضرورة دعم الطغم الحاكمة في العالم، خاصة العربية والإسلامية التي تعبش حالة مزرية على كل المستويات، بما في ذلك الفساد المستشري وغياب الحريات والتعدي على الحقوق الأساسية للبشر.

وقد خلصت هذه الحكومة الجهنمية الرديفة لقناعة مفادها، أن تعميم الديموقراطية وحقوق الإنسان والتوازن في العلاقات الدولية، يلحق الكثير من المخاطر غير المسقفة، على المدى المتوسط والبعيد في مصالح الولايات المتحدة، ليعيدها إلى دولة طبيعية تعيش حالة من التنافس مع الكثير من الدول، خاصة و أن الصين التي تجاوزتها اقتصادياً بعد جائحة كورونا.. التي كان لها -كورونا – وقعاً مدمراً على الاقتصاد، الأمر الذي سيفرض على العالم واقعاً جديداً، يتمثل في صعود الصين كقوة اقتصادية عظمى جديدة بلا منازع.

ولعل ما قدمه صندوق النقد الدولي قبل شهرين فقط في تقريره السنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2020، حيث قدم لمحة عامة عن الاقتصاد والتحديات المقبلة. حقيقة لا يريد الأميركيون سماعها بل إن الإعلام الدولي لم يلق لها بالاً، وهي أن الصين أزاحت بالفعل الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم.

ولا نجافي الحقيقة إذا ما اعتبرنا، أن تقرير صندوق النقد الدولي استند إلى المعيار الأكثر دقة الذي يعتبره كل من IMF ووكالة الاستخبارات المركزية CIA أفضل مقياس منفرد لمقارنة الاقتصادات الوطنية، وهو تعادل القدرة الشرائية (PPP) عوض فروق العملة التي كان معمولا بها في السابق.

والذي أظهر بكل وضوح، أن اقتصاد الصين بات أكبر من اقتصاد أميركا بفارق ليس بالهين.. حيث وصلت الفوارق إلى حوالي 3 تريليونات ونصف التريليون دولار. لقد حدد صندوق النقد الدولي (IMF)، اقتصاد الصين في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري عند 24.2 تريليون دولار أميركي مقارنة بـ 20.8 تريليون دولار لاقتصاد أميركا.

بهذا يمكن القول إن عام 2020 قد شكل بداية العقد الأول، الذي لن تمتلك فيه الولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر عالمياً. وللتذكير أنه قبل هذا العقد، ظلت الولايات المتحدة تهيمن دائماً على المركز الأول على مدار الأربعين عاماً الماضية، حيث نما اقتصادها من 2.86 تريليون دولار في العام 1980 إلى ما يفوق 20 تريليوناً حالياً.

بالمقابل وعلى مدى العقود القليلة الماضية، شهدت العديد من الدول الآسيوية نمواً في اقتصاداتها بشكل ملحوظ، بما في ذلك الصين والهند واليابان وإندونيسيا. ووصلت الدول الآسيوية إلى قمة الترتيب، فيما تراجعت دول أوروبا الغربية، فإيطاليا مثلاً لم يعد لها مكان ضمن المراكز العشرة الأولى، كما تراجعت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بشكل أكبر.

خلاصة القول، لم تعد أمريكا بخاصة والغرب عامة، تكترث كثيراً لشعارات الديموقراطية الزائفة وحقوق الإنسان والحريات، بقدر ما يهمها بقاء الطغم العسكرية الفاسدة، التي تقدم كل ما يطلب منها ليصب في طاحونة الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين..

وأن هذه الطريقة الوحيدة، التي ستواجه بها الصين والأسواق الآسيوية الواعدة، دون ذلك ستعود أمريكا أدراج الرياح لتستقر خلف الأطلسي.. ولعل ما أعلنته واشنطن، الساعية لتعزيز تحالفاتها في كلّ الاتجاهات للتصدّي لبكين، الأسابيع الماضية تشكيل تحالفاً أمنياً استراتيجياً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يضمّ كلاً من الولايات المتّحدة وبريطانيا وأستراليا، في مشروع يهدّد بتقويض طموحات كل الخارجين عن بيت الطاعة الأمريكي.

وأن الإعلان عن المعاهدة الأمنية الجديدة المسمّاة “أوكوس” خلال القمة الافتراضية، التي استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض وشارك فيها عبر الفيديو كلّ من رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون.. مثّلت نقطة تحوّل استراتيجي لا سيّما وأنّها المرة الأولى التي ستشاطر فيها الولايات المتحدة مثل هذه التقنية الحسّاسة مع دولة أخرى غير بريطانيا.

وأن ما قاله مسؤول كبير في البيت الأبيض بأنّ “الدولة الوحيدة التي شاركت الولايات المتحدة معها هذا النوع من تكنولوجيا الدفع النووي هي بريطانيا” وذلك منذ 1958. جاءت كخطوة متقدمة للشروع واقعاً بهدف ترتيب البيت الأنكلو-سكسوني من الداخل، توطئة لمواجهة ظهور أي متغير، قد يمس بمصالح هذا التحالف العضوي.. بموازة ذلك الحفاظ على النظم العميلة في المنطقة العربية والإسلامية، استراتيجية لا يمكن التخلي عنها، لتصب في ذات المنحى لا أكثر..