ثقافة

رغم الغياب، ما تزال حلماً يتجدد.. لتغالب النسيان

بقلم: سعيد ديب خلف

سرجونية(فلسطين)..

طفل ينسج حلما، رواية تجدل كلماتها بسحابة دخان داخل خيمة، خربة كانت قصرا لأخت سرجون الأكادي، لحظة صمت..وقف عندها جدوى الحديث، وجوه متجهمة في حلقة حول منقل القهوة المُرّة، فرس في ميدان السباق تستعد للانطلاق، غزالة منتشية على التلةالبعيدة نجت من طلقة صياد ملأ كذبه صدور البنات..

تحمل البنات الجرار الفخار ويخطفن زلال ماء العين، نمر جريح في كهفة خسر جولة صراع مع يتيم يثبت بطولته، جنية في الليل على هيئة عنزة، تمس فارس الليل توقف حركة لسانة وتبيض خصلة من شعره.

حقل بطيخ محروس بمروءة وكرم صاحبه، ثائر يكمن ليلا عند باب الكوبانية ليسرق بقرة للعيد، شجرة كينا تفرش ظلالها لظهيرة الحصادين، بيادر برتقال ترى من وسط سوق طبريا.

طفل يمسك يد امرأة تشبة أمه، تاه معها بعيدا في سراديب النكبة، أمل وعجز… مخيم خان الشيح(سوريا) تعب الأمهات، دمع القهر محبوس في عيون الآباء، نهر شاخ وتعرج ثم مد ذراعيه ليلعب على ضفافه أولاد المخيم.. نبع وخان تركي يسمع من ثقوب جدرانه بقايا أنفاس المسافرين.. زنود تبحث في الصخر عن حبات القمح.

أغاني الغيث للوادي القريب، حمار صبور.. ينقل بوداعة عطايا وكالة الغوث..طرائف البقج.. ماء الفجر للتعميد والأرتواء، جبلة طين في الطريق، صخب الأطفال في الحارات، هوشة الأعراس، زواج وإنجاب مثل ماء المطر، زوارق ورق تطفو فوق أشنيات النهر، مطاردة العصافير، بقايا قذيفة تنفجر في وجوه الأطفال وهم يبحثون عن خيط نحاس في كتلة منسية..ليشتروا قصة ورقية..

أعواد سوس جافة تجمع من الحقول،فرح النجاحات، صخب النقاش.. واختلاف الرأي بين الرفاق..أفكار مشتتة تكتب بالوشم فلسطين على صدور الشباب..ثم تلصقها صور منسية على الجدران..وحنظلة يقف بائسا على باب دكان جاسم..

إقامة مؤقتة ووثيقة سفر تحطم طريقك عند الحدود، صراع الموت وهجرة آخرى على ظهر البحر.. هاوزن(هولندا) مافي خوف من بكرة، جمال ساكن، يحاورك يغريك بالانتماء، بحيرة امواجها ناعمة، تعزف على ناي القلب، وبكل طيورها تهاجر إلى نافذة بيتك الهادىء، طمأنينة تتحسسها برؤوس أصابعك.

قد تغار الجنة من تفاصيل حدائق بيوت حملتها جنيات بلقيس، إبتسامات ترحب بك عندما تتلاقى العيون، وتكسر طوق غربتك، عقوبة بحجم ذنبك فلا يخيفك أن تقع سهواً في الخطأ، بساط ريح أحمر بقدر كفك، يمهد لك وعورة الحدود، فائض من الأمان والسكينة..وحب مستتر كبذرة تفاح تسكن التراب.. تنهض من مرقدها شجرة وارفة تظلل غربتك حين مسها ماء السماء..