أدب

وحدهم الذين لا يخافون يخيفون

بقلم: عبد الكريم محمد

عندما ما كنا صغاراً، نسمع من البشر انطلاقاً من تحديهم أو يأسهم من ضنك الحياة، أو حتى من التوترات المحيطة وما أكثرها، أن ما نخاف عليه جالسين عليه، وباللهجة الدارجة “اللي خايفين عليه قاعدين عليه”..

كنا ننظر بنباهة الأطفال خالي الوفاض، لكل واحد وواحدة من الجالسين على جنبات الحيطان، فمنهم من يجلس على كرسي صغير خشبي مشدود بالقش، ومنهم من يجلس على سطل قديم بعدة أحجام، كان يوماً للسمن أو الزيت.. وما تزال الرسمة عليه حسب ما احتواه من مواد.. منها ما كان عليه صورة بقرة أو خاروف أو شجرة زيتون.. أو طاهي يلبس طربوشاً أبيضاً..

كنت يومها دون أن أفصح حتى لأقراني الأطفال، أفكر ملياً باللغز المحيّر بأن هؤلاء القوم يجلسون على الأبقار والأغنام وأشجار الزيتون، بل ويجلسون على طربوش الطاهي..

 كانت الغرابة والتساؤلات تشدني أن هؤلاء القوم يجلسون على هذه الأشياء..  ويشدني الاستغراب اكثر، لأولئك الذين  يجلسون على الأرض مباشرة، أو على الأحجار المسندة..

وأتساءل لماذا يخافون على الأحجار والتراب، وهي لا تعد ولا تحصى؟!

لكن بعد أن كبرت وكبرنا وبدأت الأيام تأكل الجميل قبل القبيح بحياتنا، أدركت ما معنى “اللي خايفين عليه قاعدين عليه”.. أدركت أن الفقراء لا يخافون على شيء، سوى المساحة التي يشغلونها في مجالسهم، بقايا من أواني مستهلكة تالفة، وأحجار وتراب، وبعض من كراسي خشبية، مشدودة عليها حصائراً من قش لا أكثر..

بل أني أدركت، أن من لا يخاف على شيء هو وحده من يخيف كل الأشياء، وحده من يرعب الذين يخافون على أشيائهم.. المهم بالأمر اليوم وصلت البشرية أو ستصل عما قريب، لتفتقد الخوف على أشيائها، لأنها خسرت كل شيء، وعلى الحفنة التي استحوذت على كل الأشياء أن تتذكر، أنها ستدفع الشيء ونقيضه، لا محالة.