كشف تحقيق، غير مكتملة أركانه على ما يبدو، نشره الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، الأحد، أن العديد من قادة الدول أخفوا ملايين الدولارات عبر شركات خارجية، فيما يعرف بـ (أوفشور) ﻷغراض التهرب الضريبي.
ويستند التحقيق الذي أطلق عليه (وثائق باندورا) وساهم فيه نحو 600 صحافي، من 117 دولة، إلى حوالي 11,9 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للخدمات المالية، وسلط الضوء على أكثر من 29 ألف شركة (أوفشور).
وبحسب التحقيق، فإن نحو 35 من القادة والمسؤولين الحاليين والسابقين قد ورد في الوثائق التي حللها الاتحاد في إطار ادعاءات تراوح بين الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي.
وجاء في هذه الوثائق، أن رئيس وزراء تشيكيا، أندريه بابيس، قد استثمر 22 مليون دولار في شركات وهمية استخدمت في تمويل شراء قصر (بيغو)، وهو دارة شاسعة في موجان جنوب فرنسا.
وعلق بابيس في تغريدة عبر موقع (تويتر): “لم أقدم يوما على أي فعل غير قانوني. لكن هذا لا يمنعهم من محاولة التشهير بي والتأثير على الانتخابات التشريعية التشيكية”.
ولم يرد ذكر اسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشكل مباشر في الوثائق، لكنه يرتبط عبر شركاء بأصول في موناكو، أما رئيس الإكوادور، غييرمو لاسو، فقد أودع أموالا في صندوقين مقرهما في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة.
ومن بين الأسماء الواردة رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير الذي اشترى عقارا في لندن عبر شركة في الخارج، وكذلك العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي اشترى 14 عقاراً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وكشفت الوثائق أيضا أن عائلة رئيس أذربيجان إلهام علييف وشركاء له ضالعون في صفقات عقارية تبلغ قيمتها مئات الملايين في بريطانيا، فيما يملك رئيس كينيا أوهورو كنياتا وستة من أفراد عائلته مجموعة من شركات الأوفشور.
وأظهرت وثائق أوردها التحقيق أن أفرادا من أوساط رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المقربة بينهم وزراء وعائلاتهم، يملكون سرا شركات وصناديق تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
ووعد خان بـ “إجراء تحقيق” حول كل الباكستانيين الواردة أسماؤهم في الوثائق وبـ “اتخاذ الإجراءات المناسبة” في حال ثبوت التهم عليهم.
وأقام الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين روابط بين أصول في شركات أوفشور و336 من القادة والمسؤولين السياسيين الكبار الذين أنشؤوا نحو ألف شركة، أكثر من ثلثيها في جزر فيرجين البريطانية، بحسب (فرانس 24).
ومن بين الشخصيات الواردة أسماؤهما المغنية الكولومبية شاكيرا وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر ونجم الكريكت الهندي ساشين تندولكار.
وفي غالبية الدول لا تعاقب القوانين على هذه الأفعال، لكن على صعيد القادة السياسيين، أورد الاتحاد خطابات البعض منهم المتعقلة بمكافحة الفساد في مقابل استثماراتهم في ملاذات ضريبية.
وأثار التحقيق قبل نشره مخاوف السلطات في بنما من أن تشملها مرة أخرى فضيحة الملاذات الضريبية، حسبما جاء في رسالة حكومية نقلتها وسائل الإعلام المحلية السبت.
وأفادت الحكومة البنمية في رسالة وجهتها إلى الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية عن طريق مكتب محاماة بأنه “قد تكون الأضرار غير قابلة للإصلاح”، محذرة من أن “أي منشور” يعزز “التصور الخاطئ” للبلاد كملاذ ضريبي محتمل “سيكون له عواقب وخيمة على بنما وشعبها”.
وأشارت رسالة حكومة بنما إلى العديد من الإصلاحات التي نفذتها الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى خلال السنوات الماضية، والتي لا تزال مع ذلك مدرجة على قائمة الملاذات الضريبية في فرنسا والاتحاد الأوروبي، مؤكدةً أن بنما عام 2016 “لا تمت بصلة ببنما اليوم”.
وقالت بنما إنه منذ تلك السنة، تم تعليق تسجيل أكثر من 395 ألف شركة ومؤسسة، أي ما يعادل نصف تلك التي كانت موجودة حينها.
وتخشى الحكومة من أن تواجه البلاد مرة أخرى فضيحة جديدة تتعلق بالملاذات المالية بعد تلك التي أثارها نشر تحقيق سابق أجراه الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية في 2016 والمعروف باسم (وثائق بنما).
وفي هذا الشأن، كان مكتب المحاماة البنمي قال في 2018 إنه قد أوقف كل نشاطاته، في أعقاب هذه الفضيحة.
وكانت قضية (وثائق بنما) بدأت في 3 نيسان/ أبريل 2016 مع تسريب 11,5 مليون وثيقة رقمية من مكتب المحاماة البنمي (موساك فونسيكا)، الذي أعلن أنه اوقف كل نشاطاته عام 2018 عقب الفضيحة.
وأدت هذه الوثائق، إلى سلسلة صدمات في العالم بينها استقالة رئيس الوزراء الأيسلندي سيغموندور ديفيد غونلوغسون، ثم رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف.
وبعد تسريب الوثائق، فتح 150 تحقيقا على الأقل في 79 بلدا في قضايا تهريب ضريبي أو تبييض أموال، وفق ما قال المركز الأمريكي للنزاهة العامة.
ومنذ ذلك الحين، أجرت بنما سلسلة إصلاحات لتعزيز الرقابة المصرفية ومعاقبة التهرب الضريبي بالسجن، إلى جانب تبادل المعلومات مع منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي.