ثقافة

هي الذكريات التي حفرتها ريشة الوهيبي.. بدماثة الخلق ومصداقية المثقف الفنان

بقلم: أ. حسن فياض

في الطريق الذي أسلكه يومياً دون توقيت محدد وعند مفترق طُرق فرعي صالة فنون جميلة تُطل على بوابة كنيسة،،،. Josef القديمة المجاورة بدورها لمسجد.
في هذه الصالة يعرض الفنانون لوحاتهم الفنية التشكيلية . وتقام بها حفلات موسيقية أيضًا .
قبل إفتتاح أي معرض وإقامة حفل يتجمع الفنانون، المدعوون، والمهتمون في فسحة أمام الصالة. من خلال ملاحظتي تعتبر هذه الصالة من الصالات النشطة جدًا
ما من مرّة مررت بهذا الحضور إِلَّا ونهض طيف الفنان العالمي الراحل “محمد الوهيبي” أمامي بقامته وروحه الجميلة، النبيلة، رهافة ريشته، فنه الذي أسرف في الاعتناء به منذ بداية تشكله من طين المخيم ليكبر وينافس على العالمية ويتصدر.
تتداعى الذكريات التي جمعتني به ضحكة ملء القلب تمضي مثل ومضة برق سرعان ما يتلاشى.
تدمع المأقي لأماكن وأحاديث كثيرة جمعتنا وأنّى قلَّبتُها يسيل الحزن.
في معرض له ولثلة من زملاءه في صالة للفنون في أحد أحياء دمشق الراقية اتصل بيّ يدعوني للحضور لم أتوانى بالقدوم ليس حبًا للفن فحسب بل توقًا لرؤيته والحديث معه
على الطريق العام التقيت بابن أخيه رحمه الله ومعه عائلته الكريمة في سؤالهم عن وجهتي أخبرتهم إلى معرض أبو عمار وكانت تلك وجهتهم.
ترافقنا سويًا مررنا بمحل بيع زهور واشترينا له باقة ورد.
كان واقفاً أمام مدخل الصالة وسط زملاءه الفنانيين و أصدقاءه.
عند الافتتاح جلتُ بالمعرض ولفت إنتباهي (نورج) خشبي لوح دراسة شارك به أحد زملاءه الفنانين وُضِعَ على كومة قش قلبتهُ ووجدت أسفله فراغات ُحفرت في الخشب ومُلئت باحجار خفان سوداء مطابقة لشكل وحجم الفراغ .
ولفتت إنتباهي إمرأة من نساء هذا الحي برفقة إبنها اليافع وقوفها عند كل لوحة وشرحها له دلالة الألوان ومضمون كل لوحة ٠
مرت بذاكرتي لقطة قديمة لا أستطيع كتم ضحكتي من خلالها وخرمتُ على تدخين سيجارة. حتى لا أثير أي لغط آثرت الخروج خارج الصالة.
أبو عمار الذي كان إلى جواري وعلى وشك إجراء مقابلة مع إحدى المحطات التلفزيونية طلبَ منهم التأجيل بعض الوقت ولحق بيّ.
بفراسته المعهودة وابتسامة تشرق على كل أَساريرِ وجهه سألني سؤال بصلب ما اهتممت به وأضحكني وكأنه يعرف الجواب.
ماهو أفضل مشوار رافقت به أبيك وأُمَّكَ عندما كنت بمثل عمر هذا الفتى.؟
بضحكة عالية سمعها كل العابرين أحنُ لزمانها ومكانها
( على الرجيده)…!؟،
بعد أن تصطف التروليه التي يقطرها جرار زراعي خلف حلل القمح والشعير ويغرز الحصادون شواعيبهم داخل أكوام القش ويبدأون رميها داخل الصندوق الحديدي الذي أكون أنا داخله وابدأ الدعس عليها بكلتا قدمي وربصها حتى لاتاخذ حجمًا كبيرًا
بعد امتلاء الصندوق الحديدي على آخره أخذ مكاني أعلى السنابل.
عندما يبدأ السائق بالتحرك فوق الاثلام العميقة والطريق الوعر المزروع بالصخور يبدأ الصندوق الحديدي بالترنح والتمايل يمنة ً ويسرةً وارتفاعاً قاذفًا بي ّ عاليًا بالهواء ومن ثمّ الرسو فوق أكوام القش.
طابت ذكراك.
وسلام لروحك التي حلقت صوب الضوء، اللون والجمال.