بقلم: عبد الكريم محمد
الكبار يرسمون آلام الفقر مشافهة، قبل الغروب، والصغار العابثون يحفظون الكلام من غير دراية منهم، لكن ما يسمعوه يصبح إرثاً ثقافياً، ليتداول كابراً عن كابر لعشرات بل ولمئلت من السنين.. حتى الفقر والعوز والقلة والفاقة، كل ذلك يتحول إلى ذكريات جميلة أحياناً..
كان السؤال في حلقات المشافهة، عن الأحبة وعن حالهم وترحالهم، لرجل قد عاد لتوه من زيارة لأحبته في تلك الديار البعيدة، ليسأل صديق الصبا عن صديقه، أخبرني عن صاحبي فلان، كيف حاله وأحواله؟
الزائر العائد من السفر متعباً، يدع لنفسه برهة أو فرجة من الوقت حتى يجيب.. ثم يسترجع نفسه بشهقة عميقة، تشبه الحزن، ماذا أقول لك عن صاحبك وأخيك، إنه يطحن على الديك، وتكاد لا تجد طلقاً من الطحين عنده ليوقد النار تحت الصاج.. وإذا ما ضربت الأرض بكفك يطير غبارها.. إنه الجوع كافراً.. لا تتمناه حتى لعدوك..
هذا المشهد على جنبات الحيشان طلباً للدفئ عن الغروب، ستصله الكثير من البلدان، التي كانت بالأمس تتحكم بسعر قوت البشرية جمعاء.. ستتحول مطاحن هؤلاء البرجية الشاهقة، إلى مطاحن للديكة، ولن يجدون طلقاً من الطحين..
بل ستطفئ نيران صيجانهم وقيعانهم، لتصبح حياتهم قفراً.. أما نحن فسنبقى نعيش المشافهة بعد أن تآخينا مع طلق الطحين، والبحث عن عين الشمس، التي أينما استدارت استدرنا معها.