آراء

من يَسعَ إلى تقوية غيره يحكم على نفسه بالدّمار

بقلم: عبد الكريم محمد

بعيداً عن النقاد والمفكرين الذين يشبهون كانط في نقده العقل العملي المتضمن الحث على الجانب الأخلاقي والضمير الإنساني، بل وبعيداً عن نقده الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية. فقد بقي كتاب الأمير لميكافيلي، رغم الانتقادات الكثيرة لاحتوائه على أخلاقيات شريرة.. يعتبر مرجعاً أو قل منهلاً يناسب القادة والطغاة أصحاب الأنظمة على اختلافها وتنوعها..

ولعله من المؤسف حقاً القول، أن الحداثة والتطور وتعالي البنيان والحضارة وتطور الأدوات المعرفية، كل ذلك لم يغير بالأمر شيئاً، وبقيت البشرية خاوية، تمارس غرائزها ذاتها بلا تهذيب أو تشذيب، وكأن المسألة فطرة قد فطرت عليها..

 أي أنه رغم السيل الهائل من الانتقادات لكتاب الأمير، ما يزال ميكافيلي حاضراً في كل خطة يخطوها القادة على وجه الأرض، بمعزل عن الأيدولوجيات المطروحة باعتبارها مظلات كاذبة لا أكثر.. وأن الملوك والقادة والأمراء الذين قتلوا مئات الملايين بالأمس، ما يزالون وكأنهم يتناسلون من أم واحدة رغم تعدد الأباء وما أكثرهم..

بل إن هؤلاء الديموقراطي والجمهوري والقومي والأممي والوطني والديني واللاديني منهم، ما يزال يعتبر أن: “قتل الأبرياء أمر طبيعي ولا بدَّ منه للحفاظ على السلطة”.. وأن: “تسويغ فعل الشر ضرورة قصوى للوصول إلى الهدف المنشود بذريعة أنَّ الغاية تبرر الوسيلة”.. ناهيك عن التأكيد على جعل الانتهازية والخسة هدفاً سامياً.

وأن الأخطر من كل ذلك هو التأكيد، أو إذا شئت العمل الدؤوب والمستمر على إرساء القواعد الثابتة في عدم احترام حقوق الآخرين والتركيز على الحفاظ على المنصب والسلطة فقط.

وكل هذا يتأتى من قناعة أو قاعدة عامّة باعتبارها ثابتاً من ثواب الحياة عند هؤلاء الأشرار، تقول:” أنّ من يَسعَ إلى تقوية غيره يحكم على نفسه بالخراب والدّمار”.

والمصيبة تكمن في المعتقدات الخفية الساكنة في القلوب قبل العقول، والتي تقول:” إنّ من واجب العاجز أن يسير دائمًا في الطريق التي خطا فيها العظماء من قبل، وأن يُقلّد الممتازين فقط، حتّى إذا عجزَ عن الوصول إلى عظمتهم تمكّن على الأقلّ من الحصول على بعض ما فيها من أثرٍ أو لون”.. وهنا تكمن المصيبة!!