بقلم: عبد الكريم محمد
أخطر شيء في حياة الأمم والشعوب والأفراد، محاولة التجاهل المتعمد للتاريخ، تحت شعار لا مكان للماضي في الحاضر.. حتى أنك عندما تعود لحقبة زمنية، بمعزل عن الأهداف والدوافع، كانت قد عاشتها الأمة أوالمجتمع والأفراد، سرعان ما يحاول البعض القفز عنها وكأن القضية مثلبة تنال من الهوية لهؤلاء..
هؤلاء البشر هم بكل تأكيد الحثالات الذين لا يستحقون تسميتهم بالنافعين والبناة، بل هم مجرد قوارض وكتل بشرية، يسمون زوراً على المجتمعات الانسانية بشرأ، بمعزل عن تحصيلهم العلمي ومكانتهم الاجتماعية..
هؤلاء الكثرة، الذين يقال عنهم غثاء السيل، هم من ساهم في الحدّ من تطور المجتمعات الإنسانية، وأعاقوا من الحركة المتعلقة بتطور رسالتها الخلاقة، بل وقفوا حجر عثرة في مسيرة مشروعها الحضاري..
فالفرد الذي يوغل في التبرؤ من مسيرة حياته، أياً تحمل هذه المسيرة بين ظهرانيها من مناقب أو مثالب، لا بد وأنه إمعة، لأنه يفتقد إلى المصداقية والأمانة، بل والقصور في الطبيعة والفهم، لمعنى التجربة الانسانية، التي تعتبر بكل ما تحمل من معنى، الزمن الذي عاشه على هذه الدنيا..
حتى أؤلك الذين يحاولن إلباس التاريخ عباءة من الطهر والعفة، هم أسوأ أنواع البشر، وهم الأبعد عن القيم الرفيعة، وأخطرهم مدعي الإيمان.. ولعل الشعوب الاسلامية قاطبة تعيش على جنبات الحقائق، لتلبس الأشخاص لباس العظمة والإيمان والطهر، وإذا ما تناولت حادثة في التاريخ، سرعان ما تتهم بالكفر والمروق والنيل من الصحابة وغيرهم.. لدرجة تخال الصحابة أنبيائاً وما عليك إلا عبادتهم..
بل يعتبر الطليق نبياً والقاتل نبياً والمقتول أيضاً نبياً.. يقفزون عن حادثة مقتل عثمان وأسبابها، ويقفزون عن حروب الردة والدوافع الحقيقية الكامنة خلفها، يقفزون عن معركة الجمل ومقتل المبشرين بالجنة كطلحة والزبير .. وبقفزون عن هدم الكعبة وشنق عبد الله بن الزبير على بابها.. يقفزون عن حرب صفين ومذابح معاوية وعلي، والتحكيم وطريقة المؤامرات والدسائس التي تحاك بها السياسات حتى يومنها هذا..
وقس على ذلك كربلاء وما تبعها من مظالم ومذابح، ومقتل محمد بن أبي بكر قبل ذلك، ودس السم للخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز.. وما تزال الجنازة جوالة حتى يومنا الذي نعيش..
كل هذا سببه الحقيقي، الهروب دوماً من التاريخ حتى المعاش، بذريعة تلك أمة قد خلت، وكأن للإيمان حصة محددة من الوقت، وأن القادم يحمل كتاباً آخراً وقيماً أخرى، غير الكتاب الذي نزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه.