ثقافة مجتمع

من قال أن المسيحية كانت يوماً خارج وعينا؟!

بقلم: عبد الكريم محمد

في تلك القرية التي تسمى عيلبون- قضاء طبريا، كنا نتجاور ونعيش كما يعيش الحالمون عند المساء، حول الموقد.. كانت عيلبون مضافة لكل من يقصدها، أبوابها مشرعة على الدوام.. وادعة كما أهلها تماماً، مفعمة بالحب والألفة والمودة..

عندما كانت تتنازع الأسر المسلمة، لا ترضى من يحكم في الأرث أو أية قضية متنازع عليها، إلا الخوري حنا زريق، تلك القامة العظيمة، التي جمعت بين القيم ووحدت بين الناس، وألفت القلوب قبل العقول..

ذات يوم مات الأب، وله ولدان ولا بد من توزيع الأرث بينهما، كل واحد منهم يحاول اغتنام ما يمكنه اغتنامه، وبالتأكيد ساد الوجوم والمنافسة، بل والمشاحنة على كبش أو عجل أو ما إلى ذلك.. وخوفاً من أن تنعكس هذه القضايا لتلقي بظلالها القاتمة على حياة العائلتين، اتفق الأخوان على أن يكون الخوري حنا زريق هو من يفصل بهذه القضية..

لم يتردد الأخوان بالذهاب إلى بيت الخوري، الذي يعرفهم عن كثب، ويكن لهما ولوالدهما كل الحب، حتى لكأن الخوري واحداً من العائلة بل أكثر.. لحسن الحظ أن الخوري تربطه شراكة مع هذه العائلة، وهو يعرف في النفوس.. مباشرة قال واحد منكم سيرضى بالقسمة والأخر يحب نفسه شيئاً ما..

 أن يا فلان خذ كذا وكذا، وأنت لك الباقي.. وتوقفت القسمة على العمال، أي الثور، لأنه يعتبر أداة الحراثة.. ضحك الخوري وقال للثاني، دعه لأخيك وانا كنت أعلم عندما أعطيتك ما أعطيتك..

ثم قال لن تخرجا من هنا إلا وأنتما راضيين، المهم خرج الأخوة وكأن شيئاً لم يكن، وقبل ذلك قال الخوري كلمة ضمان، أي شيء اقضي به فأنا كفيل بتسديده من دون تردد.. هذا التعهد أو العهد، جعل التنافس نحو الرضى هدفاً، وأن قيمة الأشياء تتعاظم، جنباً إلى جنب مع الثقاة من الرجال كالخوري حنا..

هذه القصة نتناقلها كابراً عن كابر، كل ما يبدأ أهلنا بالحديث عن فلسطين، لا بد وأن يحضر الخوري حنا وزوجته الفاضلة، التي يسمونها عندنا الخورية، ليعود المديح من جديد والثناء عليهما وعلى سيرتيهما العطرة، التي تتجدد رائحة مسكها، كلما حضرا في الحديث.. رحم الله الخوري حنا زريق..

وتحيتنا لأبنائه وأحفاده، الذين ما يزالون في تلك البلاد مغروسين كما السنديان.