بقلم: عبد الكريم محمد
أن تولد انساناً فهذا شيء عضوي، ليس لك فيه بداً من فعل، لكنك عندما تبحث عن أن تكون إنساناً، هنا تكمن القضية، بل ها هنا يتربع بيت القصيد.. أي من السهولة بمكان أن بقال عنك إنساناً مثل مليارات البشر يدبون على هذه الأرض.. ومن الصعوبة أن يقال عنك المخلوق الإنسان.
بالضرورة أن يمتلك المخلوق الإنسان الكثير من المزايا والمناقب، حتى يوصف بهذه الصفة الفريدة، بل أن الوصول لهذه المرتبة في الوصف والمكانة، تحتاج إلى الكثير من العناء والدقة المحكومتان بالوعي الخلاق، والنفس المطمئنة الراضية القنوعة، وليست الخنوعة الجبانة بكل تأكيد..
أي أن تمتاز بالقناعة المطلقة، وعدم الخوف من غدك، أيا يكن ذاك الغد، وقبل ذلك أن تصل لقناعة مؤداها، أن الشراهة والشهية على غير العادة، هي صفات توصف بها الجراء العقورة دون غيرها.. فلا يمكنك أن تكون المخلوق الإنسان بكل ما يحمل من كبرياء وعظمة، لتنام بعد ذلك في حظائر المسعورين..
ولا يمكنك أن تكون الإنسان لتعيش التخمة على حساب المقهورين..ولا يمكنك أن تعيش الإنسان ورفعة الإنسان على حساب المظلومين والمعذبين.. فالإنسانية تملي عليك الشبع بحجم ثلاثة حبات من رطب، أو بحجم حفنتك مما يتيسر لك.. الإنسانية تدفعك بأن لا تكون من فصيلة القوارض والفئران والثعابين والضباع والكلاب الضالة المسعورة..
أي أنها الإنسانية، توصلك طواعية للمقولة الذهبية بأن القناعة كنز لا يفتى، وأن الكذب مرض للنفس والفؤائد والجسد.. وأن الحرام على هذه الأرض بيّن والحلال بيّن.. وأن الذكاء يكمن في قدرتك على اكتشاف مواجع الأخرين، وأن العدل أساس الملك..
لحظتها لن ترضى بمظلمة الناس، إذا ما استطعت على استخدام سيف المظالم.. ولن تدعوك قدرتك على التفكير سهواً في ظلم الناس.. ولن تكون ذاك الديوث الذي يرضى بالمظالم، ليعمل على خلق الأعذار للظلمة على ما ارتكبوه من مظالم.
دون ذلك ستكون المخلوق العضوي ذكراً كنت أو أنثى، بل ستكون جزءاً من القطيع الذي يرعى في مناكبها، ليفتعل ترداد مقولة الحمد كذباً لا أكثر.. المهم كن إنساناً حتى ترضى عن نفسك لا أكثر.