سياسة

ما يجري على حدود أوكرانيا.. حروب مصطنعة لإبقاء الوضع على حاله

بقلم: إياد مصطفى

بعيداً عن استحضار مرحلة الحرب الأولى وما تمخض عنها من خسائر لكل من الدولة العثمانية وألمانيا والخوض في النتائج الكارثية التي خلفتها معاهدة سيفر على الإمبراطورية العثمانية.. والتي كان قد سبقها توقيع الإمبراطورية الألمانية على معاهدة فرساي، التي تمَّ بموجبها إلغاء كلِّ الامتيازات الألمانية وتنازل ألمانيا عن معظم مستعمراتها وعن مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرتها.. كما حصلتْ دول الحلفاء بموجب معاهدة فرساي على امتيازات كثيرة جائرة على ألمانيا بشدَّة، ولكنَّ معاهدة سيفر كانت أشد وطئًا وأكثر قسوة على الدولة العثمانية.

اليوم وصلت هذه المعاهدات والاتفاقيات إلى موتها بالتقادم ولم يعد لها مكاناً، أو أية صفة قانونية إلزامية في القانون الدولي على اإطلاق، لهذا الأمر بالذات عاود الروس والأمريكان للتفكير بإحياء اتفاقية يالطا، حتى بظل غياب حلف وارسو، تماما كما غاب الأمريكان خلف صلح برست في تلك المرحلة.. وهي معاهدة سلام وقعت في 3 مارس 1918 بين الحكومة البلشفية الجديدة في روسيا ودول المحور (الإمبراطورية الألمانية، النمسا-المجر، بلغاريا، الإمبراطورية العثمانية).. والتي أنهت هذه المعاهدة مشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى.

هذه المعاهدة وُقعت بعد شهرين من المفاوضات في بريست ليتوفسك التي كانت تسيطر عليها ألمانيا وتقع حالياً في بيلاروسيا. تخلت جمهورية روسيا السوفيتية بموجب المعاهدة عن جميع التزامات الإمبراطورية الروسية تجاه الحلفاء، وأصبحت واحدة من بين إحدى عشرة دولة مستقلة في أوروبا الشرقية وغرب آسيا. كما واعتبرت هذه المعاهدة يومها، أول معاهدة دبلوماسية مُصوَّرة في التاريخ.

المهم بالأمر، اليوم بعد أن أصبحت كل هذه الاتفاقات غير ملزمة وغير ذي جدوى، بدأت ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، في التفكير بانتاج أوروبا الجديدة، التي ستطال جميع الدول التي كان قد سيطر عليها الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أحدثت القسمة الأوروبية ما بين الغرب التابع لأمريكا والشرق المحتل من الاتحاد السوفيتي..

ولعل ما زاد في الطنبور نغماً تفكك الاتحاد اليوغسلافي المتزامن مع المطالبة التركية الحثيثة، للانضواء في إطار الاتحاد الأوروبي، كل ذلك بدأ يثير المخاوف لدى لصوص الأمس، الذين اقتسموا العالم غنيمة، على مدار أكثر من سبعين عاماً ونيف.

المهم بالأمر، أن التفكير الجدي الذي قادته ألمانيا، بالتناغم مع بعض الدول الأوروبية شرقية كانت أو غربية، وبدعم منقطع النظير من تركيا، قد بدأ يثير مخاوف لصوص الأمس، أعني الروس والأمريكان، والتي بدأت هذه المخاوف تتعاظم من تنامي دور الصين والانعتاق الياباني عما قريب..

لذلك كان لا بد من افتعال حرب جائرة، وقد وقع الخيار على أوكرانيا، وأنه رغم ما بقال عن خلاف روسي أمريكي، هي كذبة كما غيرها، توطئة لوأد ما تفكر به بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وشريها التركي، أو على أقل تقدير تجميد  هذه التطلعات ما أمكنهما ذلك.

ولعل الدعم الألماني بالخوذ والتراجع عن بناء المشافي الميدانية وما صرحت به وزيرة خارجية ألمانيا، بأن هذا سقف ما يمكن أن يقدم لهكذا حرب.. يفضح اللعبة الروسية – الأمريكية، ويؤكد على أن أوروبا ستمضي قدماً في التفكير بتوسيع الاتحاد، وبناء منظومة أمنية موحدة بعيدة عن الشروط الروسية والأمريكية.

المهم بالأمر، لم تعد المؤامرات تنطلي حتى على العامة والدهماء، فكيف ستنطلي على دول تقوم على سيادة ومنعة المؤسسة، التي لم تعد بالبروتوكولات السرية ذات أهمية على الإطلاق.. والأهم من كل ذلك، إذا ما بقيت روسيا شريكة للولايات المتحدة، في مثل هذه الألاعيب الخبيثة، فستعود لتصبح دولة ضامرة، بلا لون أو طعم أو رائحة..

وأقل ما يقال عنها ستصبح مورداً للغاز والنفط لا أكثر، كما أي دولة مثل قطر والسعودية وفنزويلا وغيرها من دول أوبك، وستسقط عنها صفة العظمة، وإن بدا للبعض أنها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن وتمتلك الصواريخ النووية العابرة للقارات.