سياسة

 لم تعد الحرب نزهة.. وداعاً للحروب الخاطفة

بقلم: عبد الكريم محمد

ثمة حقيقة لا بد من إظهارها،  أن ما يسمى بالدول العظمى، تعرف جيداً وبكل وضوح حدود قوتها العسكرية قبل شن أية حرب تزمع القيام بها.. وأنها كانت في الماضي تكسب نصف الانتصار الساحق من خلال مكنتها الإعلامية، التي تخوض عبرها حربها النفسية، لتلحق الهزيمة بالعدو أو الضحية، قبل استخدام قوتها الغاشمة..

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أن بوتين لم تكن الحرب عنده هدفاً حتى أن كل من حوله، كان يعتقد ذلك منذ فترة طويلة، وأن قضية شن الغزوة بالفعل لم تكن في المقام الأول.. بل حاول عبر التلويح بالعصا الغليظة، والترهيب والترغيب، عبر الوسطاء أن يكسب معركته دون الدخول إلى الأرض الأوكرانية.. 

لكن أوكرانيا الجريحة، استعادت أنفاسها ولم تعد ضعيفة كما كانت في عام 2014.. هذه الحقيقة كانت ماثلة للجميع، بما في ذلك بوتين، حتى الجيش الروسي كان يعيش حالة من الشك في قدراته، على الرغم من محاولات تجهيله لجهة ما أصبحت عليه أوكرانيا.. كما قيل.

صحيح أن روسيا ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014 وما زالت تسيطر عليها حتى يومنا هذا ، لكن أوكرانيا تعهدت باستعادة السيطرة على شبه الجزيرة في الحرب. انطلاقاً من قناعتها الراسخة أن الغرب “لن يمتنع عن أي شيء في مواجهة بوتين إذا هاجمت روسيا أوكرانيا.

المهم أن حجم القوات والمعدات الروسية، التي تم حشدها على حدود أوكرانيا لعدة أشهر قبل الغزو، خلق عند  البعض الغربي أو غالبيته بما في ذلك الولايات المتحدة، أن اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا بشكل خاطف وسريع، أمراً مفروغاً منه، وأن التفكير بتسويات الأمر الواقع كانت معدة سلفاً قبل أن تبدأ الحرب.

المهم بالأمر، اليوم باتت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وعلى رأسهم أمريكا وروسيا، تدرك أن الحروب لم تعد نزهة تقاد بوسائل إعلام وعملاء محليين في هذه الدولة أو تلك، وأن أية حرب قد تشن من هذه الدول ستنقلب عليها وبالاً، وستهزم لا محالة، بالأمس القريب هزمت أمريكا من أفغانستان.. واليوم رغم الآلام الأوكرانية يهزم بقايا رمم الجيش الأحمر الفاشي المتهالك، وما يحتاجه العالم حكومات ترى في مصالح شعوبها هدفاً نهائيا لا أكثر.

أما أولئك المرضى، الذين يدعون المعرفة عبر شكهم وقوة المؤامرة المطبقة على عقولهم، نقول لهم لم يعد للتشكيك بالشعوب وقواها الحية مكاناً، ولم يعد كل شيء معداً سلفاً ومرسوماً ومسقفاً، بل ومعروف النتائج..

 اليوم العالم يتغير وما على الجميع سوى انتظار التغيرات الكبرى القادمة، التي بدورها ستغيّر من نمط العلاقات الدولية القائمة على كل الأصعدة.