أدب

لا تغادر الذكريات

بقلم: عبد الكريم محمد

لا تغادر الذكريات.. فما يزال بيتك الطيني مسوراً بالحبق الندي، يغازل جبين الشمس عند أول إشراقة.. وما تزال شجرة الزيتون ترمي بظلالها على منقل قهوتك، المعتقة بحب الهال ورائحة القرنفل..

وما يزال رماد النار يخبئ جمرك الدافئ، الذي يحاكي دفء قلبك، كما الشمس التي تغازل روحك صباحاً.. ومحياك لحظة المغيب..

بل ما تزال كراسي لمة نساء الحي، تحاكي الأسماء، تحاكي الأوصاف، تحاكي أرواح من رحلوا.. تحاكي وحدة الأشياء.. تؤاخي بين الشيء ونقيضه.. بحثاً عن ما يسمى بديمومة الحياة.. وسرمدية العشق الذي لا ينتهي.

وما تزال علبة سجائرك المعدنية ودفترأوراقها وقداحتك على ذاك الصندوق الخشبي، ليسمى بعين الناظر طربيزة.. وبعينك أريكة تليق بالسلاطين وملوك الأزمنة، أو ما يزيد.

وفراشك المغطى بجلود الحملان، على جنبات مجلسك.. يحاكي الأحياء والأموات، بصوت عميق يأتي من البعيد نسائماً، يحمل صوتاً كأصوات الملائكة، وطنين أجنحة الفراش وبعض من بغاث.

ما تزال رائحة النعناع والمرتاغوش والميرمية، تطارد شياطين وسحرة الزمن الرديء.. تطارد الأرواح الشريرة.. لتبقى أرواح أحبتنا تهيم في رحابة ذاك المكان.. وإن ضاقت الفسحة قليلاً.. فقد رحبت بالقلوب العامرة حباً..

دعك من النسيان أيها الهرم، فقد وجدت العقول المتقدة، لتستل اللحظات صوراً.. وذكريات، تتناقلها الأحبة كابراً عن كابر..

لا شيء يذهب سدى.. طالما بقيت الأرواح تتناسل أرواحاً.