ثقافة مجتمع

كيف تصنع من الزعران آلهة.. ومن القوادين قادة عظماء؟

بقلم: عبد الكريم محمد

بالصدفة ومن غير ميعاد أو موعد أو معرفة مسبقة، التقيت أحدهم يسمى بصانع الآلهة والزعماء.. هكذا قيل لي همساً.. لحظتها أصابتني الدهشة وانهال عليّ الضحك وقد كاد أن يخشى عليّ من الفاجعة والمفاجئة والدهشة..

بيت متواضع جداً شخصية قزمة بلباس رث غير مقنع، مجموعة من القطط لكل واحدة اسمها ومواصفاتها.. فاترينا من المشروبات حدث ولا حرج وبراد صغير، فيه بعض فتات من الأكل وبقاياه.. ثلاث تلفونات منزلية لم يكن يومها قد اقتحم الخلوي وغيره  من وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا..

ما أن يبدأ الحديث معك، حتى يقطع بسبب اتصال مستعجل، تخال نفسك أنك تعيش ما بين متشردين وشذاذ آفاق وقوادين.. بل ولصوص وسماسرة.. والحاكم هو الرقيق الأبيض والزعران لا أكثر.

وما أن يفرغ من الاتصال المرمز، يعود إليك مرة أخرى بالابتسامة المرفقة بالاعتذار، لأن العمل لا ينتهي وطلبات الناس كثيرة، والضرورة تفرض عليه سرعة الرد.. المهم سوق عكاظ مفتوح لكل أنواع الموبقات، ومشرع على غاربيه..

حقيقة مثل هذه الأجواء لا تغريني، ولا أثق بناسها، وأنا من طبعي أحب القهوة والشاي والدخان حد الوله، ولا يهمني نوعية الأكل ولا الولائم مطلقاً..

هو إبن حرام صرف، بدأ هذا القزم حديثه عن الطعام الشهي والمطاعم والملاهي الليلية، ليشدني لحديثه وصديقي الذي غرر بي للتعرف على هكذا شخصية، يدفعني دفعاً للاشتراك في الحديث.. فكرت قليلاً بكل ما أملك من دفاشه، وحقد على هؤلاء البشر..

فقلت، طبعاً تجاهلت من هو وما هي صفاته، وتعاملت مع واحد مجرد مربي قطط وقواد لا أكثر، قلت أتعرف يا أخ العرب، أن الذي يحب بطنه ويشرح عن الأكل كثيراً، يذكرني بالكلاب الضالة الجائعة والمسعورة..

مباشره قال لي الأكل هي أهم نعمة أنعم الله بها على عباده، والناس كلها تقول وأما بنعمة ربك فحدث.. طبعاً الكلام بلؤم وحقد..

قلت له أنا لا يهمني الناس ولا يهمني حديث الناس، ولا أفكر بما يفكر به الناس، الأكل عندي ليس هدفاً، وهو حاجة للاستمرار بالحياة، وأنا لا أعرف ما هو الطيب والشهي من الطعام من عدمه.. عندما أكون جائعاً، ما أجده من طعام حتى لو كان كسرة من خبز جافر وكاس من لبن، يكفيني ويسد حاجتي للطعام.

رد متسائلاَ وباستغراب مصطنع، معقول؟!

مباشره وبقسم، والله لا يهمني أية أكلة والكلام بالأكل فقط للتسلية، وأكره الدخول على المطاعم والحانات، ولا تشدني نهائياً.. والأكل كما قلت لك مجرد حاجة لا هدف..

نظر إلى صاحبي من فوق إطار نظارته، وكأني به يقول لصاحبي عبر نظراته التي تحمل الاحتجاج والعتب الشديد، مين هالنمرة اللي جايبلي ياها؟!

حتى لا ادخل صاحبي بالحرج، رغم أن هذه الحادثة شكلت عندي موقفاً سلبياً من صاحبي، هممت بالاعتذار لأن عندي عمل وتأخر.. أيضاً هو مستقلع ولم يكن فرح للقاء مثل هكذا نمره، سرعان ما وقف مثل الفخة المنصوبة لفأر أو الراصور المنفلت من مربطه، ومد يده شرفت، لازم نشوفك ثاني مرة وتكون فاضي، نحكي أكثر.. قلت له إنشاء الله.. وخرجنا.

دار حديث في الخارج بيني وبين صديقي، الذي على ما يبدو مسحت من داخلي كل المشاعر النبيلة والاحترام الذي كنت أحمله له.. وكان رده بعد سجال طويل حاولت أن أعرفك على الكبار.. ولازم الواحد يكبر.. الذي كان صديقي، ما يزال على قيد الحياة، اتذكر قلت له هذه البلاد لا يكبر بها إلا اللصوص والقتلة والقوادين.. وأنا عندي مرآة بالبيت قديمة وليست إيطالية الصنع، تضحك عليّ لتظهرني كلما نظر لها مارداً يا صديقي..

لكن عليك أن تتذكر، أن أصل الأشياء بصغرها ومهما كبرت ستعود إلى أصلها.. وأنا قرأت لأنشتاين وكثير من هؤلاء المجانين كما تعلم.