ثقافة مجتمع

كل شيء قابل للموت والاندثار.. إلا الهوية الثقافية عصية على الإضمحلال

بقلم: د. أحمد خليل الحمادي
لكل منطقة في أي دولة من دول العالم ومنها سورية بالطبع على الرغم من كونها دويلة مزرعة تتحكم بها عصابة حاكمة، تتميز بهوية ثقافية جمعية عامة وهوية خاصة نستطيع ان نطلق عليها تسمية الثقافة الشعبية لمنطقة كذا، مثل الهوية الثقافية الحورانية أو الرقاوية او الديرية أو الحلبية أو الحمصية ، او ….و هذه الهوية الثقافية لها تأثيرها المباشر على الفرد و الجماعة في نمط حياته وتفكيره وسلوكه العام والخاص مما يجعلنا التنبؤ برد فعله المباشر .

والثقافة الشعبية الخاصة لمنطقة ما تتركز على عدة ركائز منها الموروث الشعبي و اللهجة والأمثال الشعبية والعادات والتقاليد وغيرها الكثير، مرورا بالألبسة الشعبية والمطبخ الشعبي.. فما أن تقابل أحدهم بصورة عابرة و تستمع للهجته حتى تسأله إن كان من حلب، و ما أن ترى أحدهم يلبس لبس مميز بمنطقة ما يتبادر لذهنك بأن الزلمة من السويداء او من ريف دمشق، وما أن ترى الحلاوة بالجبن حتى يتبادر لذهنك حمص العدية، أما إذا شممت رائحة المليحي فستحكم مباشرة على محضرها بأنه حوراني، أما الثرود ببامية مباشرة ستعرف بأنها ديرية المنبع والهوى و الذائقة و شهية الديريين ستكون نهمة لتناولها ، أما السفرجيلة فتتمنى تذوقها عند صديقك الحلبي والكرزية إدلبية الموطن و الإنتماء..

وهنا نحدد الهوية المناطقية الخاصة لالتصاق بعض ما ذكر بهذه المنطقة او تلك مع إمكانية عمومها و أنتشارها من أضيق لمجالها الأرحب بغزو طويل الأجل، فقد تكون الكرزية مثلا أشتهرت في كفر تخاريم لتنتشر كأكلة شعبية إدلبية، و قد تغزو محافظة مجاورة وتصبح محط جدل عن موطنها الأصلي كما هو حال الحلاوة بالجبن الذي يقول الحماصنة بأن براءة ابداعها لهم وبان الحموية لطشوها منهم، وأنا أرجح بأن الحلاوة بالجبن والحلاوة الخبزية حمصية و تأثر بها الحموية واستصاغوها وأعجبتهم لذا نقلوها بعد اقتباس طريقة تصنيعها لتصبح تحلاية خاصة بهم كحمص.

أما الثرود فهو ديري بأمتياز و لكن أنتقل لربوع عزيزة من سورية و العراق ليصبح أكلة شعبية حيث توطن حديثا .

و لكن الغزو المطبخي للمليحي الحوراني فقد أصبح عابر للحدود حيث تمدد و انتشر في كل المنطقة المحيطة بحوران أولا حيث تتشابه مناسفه في القنيطرة و السويداء و البادية و الأردن وأنتقل إلى أصقاع عديدة في العالم مثل المانيا وأمريكا ودول امريكا اللاتينية و عموم اوروبا، كحال البطاقة الذكية السورية التي تسعى دول العالم لاقتباسها على حد قول وزير التجارة الداخلية و حماية المستهلك السوري الذي يدعي مثلي حاليا ما أدعيه للمليحي، بان ألمانيا و أوروبا تحاول الاستفادة من تجربة البطاقة الذكية السورية.

و لكن الأكلة المشهورة لدى السوريين التي عافوها و جعلوها سخرية لهم، هي سلطة حمد بن جاسم و الذي يتمنى غالبية السوريين الخلاص منها كونها عفنت وعطبت واصبحت غير صالحة للاستهلاك.

أما اللهجة التي تحولت في سورية لممقوتة و أصبحت مقززة في ذاكرتهم الدموية و يحاولون الخلاص من تأثيرها السياسي، تلك التي تمتاز بالمقاقاة كون النظام الطائفي القاتل المجرم عززها بالقهر والعنف والإخضاع و التسلط والنهب والفساد.. لتعود ممارساته الإجرامية على الناطقين بها للأسف بالعداء من خلال حاجز الدم، الذي بناه أفراد العصابة القاتلة المجرمة بين الناطقين بها وبقية أبناء الشعب السوري، على الرغم كونهم أول ضحاياه واستخدمهم كوقود لحربه على الشعب السوري، دفاعا عن كرسي الأهبل بشار الأسد.

هذا النظام الطائفي القاتل المجرم، هو من عزز النعرات العصبية ما بين المناطق و القوميات والمكونات المتعددة السورية و جعل منها بألغامه السلطوية و سياسياته التمزيقية و جدرانه النارية عوامل تمزيق و تفتيت و تهميش لتندلع على شكل صراعات على الهوية، بدلا من ان تكون عوامل عطاء وبناء وإغناء وقوة وحضارة لسورية وشعبها السوري، لذا لا استغرب بعد موجة العراك الحاد ما بين أبناء ريف ومدن والتمذهب والتعرقن ( من العرق ) والتمدد القبلي والعشائري والمناطقي أن تبدع نعرات تمزيقية أخرى بتعدد و تنوع الشعب السوري ..

وهنا أقول مرددا من أحبتي الديرية قلابيتك هويتك، وأقول على غرارهم الراحة ( الحلقوم ) حورانية بأمتياز وكذلك شوربة الجعدة مثلهن مثل المليحي، فهذه خط أخضر متاحة للجميع وإذا ما تناولتموها ستصيبكم بركة حوران بذائقة مطبخة الشهي، و أيضا عليكم تذوق الثرود بالكمأة لتتباركوا بدير الزور وعنفوان و شهامة و كرم الدير، و اعرف بأني أزعجت الرقة بمدحي للدير ولكننا جميعا من بعدكم أهلنا في الرقة .