بقلم: عبد الكريم محمد
لم يكن العيد بحياتنا يشكل فارقة أو فاصلاً زمانياً، مثلماً كان وقعه على أبناء تلك القرى المترامية على مدّ البصر.. خاصة وأنه كان مدعاة لاستدعاء الحزن والفقدة، على من نالت منهم الأيادي المجرمة في تلك الديار التي كانت بالأمس تسمى وطناً..
فقد أنطبعت في الذاكرة كلمة عيد بنواح عميق للعمات والجدة والأم ورهط من الأيتام، كانت مجبولة بين الحزن على من قتلوا مكرهين مع الشوق لمن بقوا في تلك الديار، ومن أخذتهم أقدارهم على ديار يصعب التواصل معهم، وكأنت تعيش موزعاً في كل شيء، لتُستَجمع في النحيب، القائل ” جمال حطت وجمال راحت.. وفلسطين من أرض العرب راحت، سألت بالله يا فلسطين وين شبابك راحت؟ قالتلي تحت التراب نايمه”..
هذا هو العيد لا أكثر.. لتستفيق في الصباح بالحج إلى المقبرة الفوقانية، وبعضهم يسميها بالغربية، تبحث عن قبر أو قبرين، تتلقى التعازي مع قطع من الكعكبان وناشد إخوان.. وبعض من الحزن الذي يتناسلك حزناً من جديد..
كان العيد لحظات فرح عندهم، ليزورنا أو يمر علينا، لحظات من حزن، لحظات من انتظار، ولحضات من شوق وزع على قدر المسافة التي يعيش بها الأحبة، مع غياب الحمام الزاجل وساعي البريد، الذي قد يقرئك السلام، ويبثك شيئاً من الفرح، أو يخفف من لوعة الفراق.
هكذا مرت الأعياد، وعلى هذه الشاكلة مرت السنون، والزمن يتناسل الزمن انتظاراً.. والقلب قد لفه الحزن وكأنة طفل ولد قبل موعد الولادة بأشهر، وما عليك إلا تدثيره ببقايا رقع عتيقة، قد رماها القدر عليك من البعيد..