آراء

كأن يالطا تخرج من القبر للتو

بقلم: عبد الكريم محمد

ما نشهده في هذه اللحظات بالذات، لجهة قيام تحالف أمني بين الأب البريطاني الشرعي وأبنائة اللقطاء أو إذا شئت أبناء سفاحة، أمريكا وأستراليا.. يذكرنا بالأمس شبه القريب، الذي غُيّب عنه الجنرال شارل ديغول، خاصة  مؤتمري يالطا أو بوتسدام؛ الأمر الذي مثّل إهانةً دبلوماسية شحنت الأجواء باستياء عميق استمرّ طويلًا.

عزا ديغول إقصاءه من مؤتمر يالطا إلى العداوة الشخصية التي يكنّها له روزفلت، على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي المتوفي هو الآخر، أيضًا قد اعترض على إدراجه كمشارك كامل.

لكن غياب التمثيل الفرنسي في مؤتمر يالطا كان يعني أيضًا أن توجيه الدعوة إلى ديغول من أجل حضور مؤتمر بوتسدام سيشكل معضلة كبيرة. إذ كان يشعر حينها بأنه ملزم بإعادة فتح جميع القضايا المُتفق عليها في مؤتمر يالطا بغيابه.

اليوم تعاد تلك الأيام، بغياب الكاثوليكية ومعها صكوك غفرانها وتغيب الأرثوذكسية المشرقية، التي تعتبر خارجة عن رحمة الله بنظر الانكلوسكسون.. اليوم تعود العائلة الانكلوسكسونية، بكل ما تحمله من إرث، لتغيب باريس وموسكو بالضربة القاضية، ليخبو صوت وصورة العرق الآري من جديد، رغم الرداء الأحمر الفاقع، التي تعودت على لباسه المستشارة الجميلة الست ميركل..

ليعاد للدم الأزرق تاريخه المحمل بالانتصارات، التي ما تزال تحاكي الشمس على مدار الساعة دون الدخول بدهاليز العتمة، كما الفرانكفونية المترهلة والسوفيتية الميتة منذ زمن..

ولعل فسخ العقود واعلان التحالفات الأمنية، في ذات العائلة الواحدة، تنذر بغياب حلف شمالي الأطلسي الذي أصبح يشكل عبئاً لا طائل منه على الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.. الواضح ما كان يخطط له في الردهات والغرف المظلمة، خلف الجدران الموصدة، أعلن اليوم من دون سابق إنذار، بأن المرحلة الجديدة قد بدأت تشق طريقها نحو المستقبل.

وأن توضيب حلف شمال الأطلسي قد بدأ يأخذ شكلاً جيداً، وما سحب الأسلحة الاستراتيجية من القواعد الأمريكية، وصمت بريطانيا اليقظ جداً، سوى انتظار لحظة ولادة الحلف الثلاثي الأمني ومعهم بكل تأكيد دول الكمنولث، الذي يعتبر من بقية الأسرة، وقد تكون كندا ليست بعيدة، خاصة وأن تاج الملكة إليزبت، أطال الله بعمرها، ما يزال يغطى مساحة ثاني أكبر بلد على اليابسة.

نصيحتي لوزيرة الدفاع الفرنسية وماكرون، أن لا يشغلوا أنفسهم بالصفعة التي كلفتهم 31 مليار يورو، بل عليهم أن يعودوا إلى اصلاح ما ارتكبوه من حماقات في حوض البحر المتوسط وأفريقيا، وأن يعودوا إلى صوابهم بعد أن صنعوا الخيار النووي في إسرائيل في العام 1957.

 دون ذلك ستصبح فرنسا ملطشة كل الشعوب والأمم، التي مارست ضدهم يوماً قذارة الاحتلالات بكل مساوئها .. ونتمنى للأصدقاء الفرنسيين، طول العمر لتصلهم مفاجئات الأصدقاء الأعزاء من لندن وواشنطن وسندني، ما هو غير متوقع على الإطلاق، بل وعلى أحر من الجمر.