آراء

في العلاقة بين الوعي والإيمان

بقلم: عبد الكريم محمد

كم هي الترهات التي نسمعها هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وكم هي الأخطاء القاتلة التي يسوقها البعض عن نية مبيتة أحياناً، للنيل من أصل الأشياء.. حتى أن بعضهم يحاول أن يتجاهل الوعي عند البشر ليسهل عليه قيادتهم كقطيع لا يمتلك من أمره إلا السمع والطاعة..

فحقية الأمر أن لا إيمان من دون وعي، وأن ما يسمى بالإيمان عند الجهلة هو مجرد موروث اجتماعي وحسب، وليس له أساس في مفهوم الإيمان العارف بالشيء..

ولقد جاء الرد الإلهي بأبهى وأنقى صوره ودلالاته في رده على الأعراب، الذين ادعوا الإيمان بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.. هذا البيان من الله لعباده بأن الإيمان في القلوب لا يعلمه إلا الله ولا يعلم درجته إلا هو.. ولا يحق لكائن من كان أن يدعي هذا أو يفتخر به أو يمن على الله ورسوله بإيمان أو عمل .

أكثر من ذلك، هذا كان رد القرآن على ادعاء بعض الأعراب الذين دخلوا الإسلام بلا بصيرة ولم يقوموا بمقتضيات الإيمان ثم ادعوا لأنفسهم الفضل والمنة وسعة المعرفة بالشيء ومقتضاه.

ولعل الكثير من العلماء والعارفين والمفكرين على مدار هذا التاريخ الموغل بالقدم، استندوا في كل ما يفكرون به أو يقومون به من أعمال على مبدأ وحيد فى الحياة اسمه «الوعى قبل السعى».. أي أن الوعي بما في ذلك التعلم والفهم كدلالة للوعي أولًا، ثم بعدها تمشى وتتحرك فى الحياة تالياً.

فالمبدأ هو أول كلمة وأول آية فى القرآن: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ».. اقرأ الحياة.. اقرأ الأحداث.. اقرأ حقائق الكون.. اقرأ كل ما حولك لا تتحرك إلا بعد أن تقرأ وتفهم وتتعلم.

ولعل الأهم في الشيء، أن السعى للقيادة باسم الدين بلا وعى هو تخطيط للإفساد فى الأرض.. عن أبى ذر قال، قلت: يا رسول الله ألا تستعملنى، قال: فضرب بيده على منكبى، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها»، فرغم إيمان أبى ذر الشديد، إلا أن ذلك لم يكف ليقود.. فالسعى للقيادة يحتاج لوعى وليس الإيمان فقط.

ولعل الشيء بالشيء يذكر، فقبل أن ينزل آدم إلى الأرض ليصلحها، قال الله «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»، هذا هو الوعى قبل السعى.

يوسف لم يتولَّ قيادة اقتصاد مصر إلا وهو عالم قادر عليها.. فقال للملك: «اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، فالحفظ والعلم هما مؤهلاته وليس الإيمان فقط.. ولو كان الأمر غير ذلك لاعتبر غير العاقل مكلفاً.. ولنال العقاب على سلوكه كما يناله العقلاء.

ما يهمنا على عجالة بالقول أن الوعي سابق على الإيمان، وأن الإيمان بلا وعي يعتبر عرفاً اجتماعياً لا أكثر، يتوارثه البشر كابراً عن كابر، كأي سلوك آخر قد يستحسنه هؤلاء البشر من وجهة نظرهم وحسب.