سياسة

غزة هاشم والصمت المريب

بقلم: أ.أحمد مظهر سعدو
يتابع العدو الصهيوني قصفه الهمجي لكل البنية التحتية في قطاع غزة، ويمارس في ذلك كل أنواع الهلوكوست النازي الذي يدَّعي زورًا وبهتانًا أنه وقع على اليهود يومًا ما.. ولعل أكثر ما يجعل المرء في حالة الفوات هو وضعية الصمت المطبق الحاصلة، ليس في عالم النظام الرسمي العربي المتهالك فقط، ولا في منتجات منظمة المؤتمر الإسلامي بقضه وقضيضه، بل على امتداد القطبية الأميركية الواحدة وملحقاتها، التي مابرحت منشغلة في بذل كل أنواع الدعم العسكري والمالي والمعنوي وحشد البوارج ومايوائمها، لإظهار مدى الانحياز الكامل إلى جانب الكيان الصهيوني .

إن حالة الصمت واللاجدوى الحاصلة في عالمنا العربي التي تواكب العدوان الطغياني الفاشيستي الإسرائيلي تشير وبوضوح إلى سياسات التخلي والخذلان التي وصل إليها الواقع العربي برمته وتنبيء بمستقبلات بائسة لأمة لم تدرك بعد ماهية التفكير الجدي المطلوب منها في توحيد رؤيتها وتكاتف سياساتها في مواجهة مشروعين من أخطر المشاريع التي مرت على المنطقة العربية، وهما المشروع الصهيوني الاحتلالي بامتداداته التوسعية وهيمنته المستمرة، وكذلك المشروع الإيراني الفارسي الذي طالما كان يحلم بإعادة قيامة جديدة لامبراطورية فارس المنهارة والبائدة على يد العرب والمسلمين مع بدايات الفتح العربي الإسلامي لتلك المنطقة الشرقية من العالم .

وضمن هذه المتغيرات والانزياحات الخطرة لابد من القول إن واقع النظم العربية العاجزة اليوم يعود بالأساس إلى وضعها ٩٩.٩ من الحل بيد الأميركان، منذ أن أعلن ذلك الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وذهب بعيدًا في مداهنة الأميركان والاتكاء إلى سياساتهم التدميرية للعرب قاطبة، وهو ماضٍ في حالة وهم مفادها أن الأميركان يمكن أن يقفوا مع القضية العربية المركزية قضية فلسطين، لكن ماحصل كان أدهى وأمر حيث قام الأميركان بتجميد الدور الكبير لمصر وهي أكبر دولة عربية، ثم راحت تحوم في فلك الأميركان والصهاينة، وهي التي ونتيجة ذلك، لم تعد قادرة على إنتاج أي عمل لنصرة قضية غزة ومن ثم قضية فلسطين، بل راحت الرئاسة المصرية اليوم تقترح نقل أهل غزة إلى صحراء النقب، كحل بديل، عوضًا من أن يتم نقلهم إلى صحراء سيناء المصرية.

وهو حال ينم عن المستوى الكبير من البؤس والفوات الذي وصلت إليه أوضاع أكبر دولة عربية هي مصر /دولة المركز.

علاوة على حال أنظمة الخليج العربي التي طبَّع قسم منها مع إسرائيل والباقي أو معظمه يسير في طريق التطبيع، تحت دعوى أن الاحتماء بإسرائيل يمكن أن يقيهم خطر إيران وتمدداتها في المنطقة، ولعل ذلك كما يقول فيهم العرب (كالمستجير من الرمضاء بالنار).

واقع البؤس في النظام الرسمي العربي الذي أوصل بعض النظم لأن تلعب دور الوسيط في قضية غزة ليس إلا ،بينما الآخرين منكبون على مشاكلهم الداخلية، وغير معنيين بكل مايجري من دماء غزيرة لأهليهم الغزاويين العرب والمسلمين، لكنهم تناسوا أنهم (أُكلوا جميعًا يوم أُكل الثور الأبيض) ومن يبدأ بأهل غزة سوف يثني بمن هم في جوارها ومابعد جوارها.

أما ذاك الإيراني المُدَّعي حرصه على القدس وفلسطين، فهو كاذب بكل ادعاءاته، وقد تبين للقاصي والداني فجور وانكشاف حالة التخلي، وترك فصائل المقاومة في غزة، تلالقي الموت الزؤام لوحدها، دون أن يرف للإيراني المُدَّعي أي جفن، بل هو يكتفى بالإيعاز لأداته وتابعه حزب الله اللبناني باللعب مع الإسرائيلي (لعبة القط والفأر) عبر إطلاق قذائف خلبية لاتثمن ولاتغني من جوع وعدم خوض أي معركة مع الإسرائيلي قد تؤدي إلى ضرب كل ماعمله الإيراني من تشييد بنيان مصالحه في المنطقة، وسوف يستمر هذا الدور الإيراني مع توابعه في لبنان وفي دمشق ولن تكون هناك أي حرب حقيقية قد تؤدي إلى زلزلة العروش وكشف المستور.

ويبقى الألم الحقيقي هو هذا الدم الفلسطيني المراق على أرض غزة، وذاك الصمت الغريب والمريب، حتى عجز (مؤتمر السلام) الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن التوافق على إصدار بيان يندد بما يحصل في غزة هاسشم، وانفض المجتمعون دون ذلك.

وهذا هو انعكاس حقيقي لحالة الأظمة العربية، وتراجع المد الشعبي العربي، بعد انهيارات كبرى في مسير ومسار الربيع العربي وموجاته، الذي لاقى هو الآخر الكثير من النكوص والتراجع بعد مجمل حالات التخلي والخذلان الكبرى التي أصابته تباعًا.