آراء

عشنا وشفنا..

بقلم: عبد الكريم محمد

غالباً ما تطالعنا كتب التاريخ عن نماذج الرجال العظماء والشجعان، الذين لا يعرفون الخوف ولم يتسلل ولو خلسة إلى قلوبهم، لتجعل منهم أساطيراً، تتناقلها الألسن في الأحاديث بالمجالس والطرقات والردهات المغلقة، وحتى في بيوت الخلاء.

بل تقرأ عنهم وكأنك تعيش قصة من الخيال، الخارج عن المألوف الإنساني.. أو لكأنك تتابع فيلماً سينمائياً، لإناس نزلوا من الفضاء على هذه الأرض، بأشكال تشبه أدمية أهلها..

لكنك عندما تدقق وأنت تتابع السردية المحكمة، تجد أن من يرسمها صوراً بالكلمات، إما متكسب أو حالم يحاول أن يسقط ما يتمناه لنفسه، على هذه الشخصيات الوهمية.. خاصة وأن الشجاعة والخوف والفرح والحزن والأمل والقنوط، كلها ثنائيات تلازم الخلق بلا انقطاع في حياتهم.

المهم “عشنا وشفنا”، أن كل الأمم والعصابات والجماعات، تحتاج لتصدير العظماء الوهميين، ليستفيد القلة من هذه الثقافة الكاذبة، التي لا تجد ما يحققها واقعاً على هذه الأرض، بل قد تصل للحقيقة المفجعة، أن من يسمون بالأبطال، هم أكثر الناس على وجه الأرض خسة وجبناً ونذالة. وهم أول الرعاديد وأول الخائرين، وأن حاجة المحيط المتهالك، أو إذا شئت الرعاع المنفلت من عقاله، هو من يصنع منهم أبطالاً..

المهم كل شيء نسبي، وأن كذبة الأبطال والشجعان قد ولت إلى غير رجعة، وأن الظروف والحاجات والعوز للأبطال، التي كانت تنقل بالمشافهة ذهبت إلى غير رجعة، وأن البطولة تخلق بالصدفة لا أكثر، فالأقوياء يسمون بالأقوياء، لحظة اجتماعهم بالضعفاء لا أكثر.. أي أن الصدفة وضعف الطرف الآخر، هو من يصنع من هؤلاء المقولات والصفات والأسماء الوهمية، التي تشي عن قوتهم رغم ضعفهم وعجزهم..